بينما يدور جدل واسع في المنابر الاعلامية ، حول ما اذا كان على حماس أن تتغير ، وما هي حدود ووجهة هذا التغير المقترح ، في هذا الوقت فإن سلطة الاحتلال تبدو ثابتة في نهجها ومقيمة على سلوكها ، الذي يجمع بين التوسع والتنكيل الدموي . وقلما تصدر أصوات هنا وهناك تدعو تل أبيب لوقف نهجها التدميري ، والكف عن سفك الدماء ، وكأن تغيرا أحاديا لدى الطرف الآخر يكفي وحده لتحقيق تحول ، مع أن خبرة السنوات الخمس الماضية تفيد أن نهج شارون الاستئصالي كان ثابتا ، بصرف النظر عن كل اشكال ومظاهر المرونة التي أبدتها السلطة الفلسطينية ، بما في ذلك اعلانات التهدئة والهدنة . خلال الأيام الخمسة الماضية فقط ، قامت سلطة الاحتلال باغتيال تسعة شبان في الضفة الغربية وقطاع غزة ، وعلى نحو تمتزج فيه الوحشية ، باستعراض القوة واستخدام تقنيات حديثة .وهذا هو في واقع الحال المظهر شبه الوحيد للتدخل ''السياسي'' الاسرائيلي ، في التطورات الجارية بعد اجراء الانتخابات الفلسطينية . والرسالة تزداد وضوحا ، ذلك أن القتل اليومي هو بمثابة طقس وعادة يومية راسخة لشاؤول موفاز ، وزيرالدفاع والتوأم الروحي والعقائدي لشارون ، بصرف النظر عن أية تطورات سياسية إذا كان هناك من تطورات تذكر ، وهذا هو في واقع الأمر الإرث الأسود لشارون ، حيث لا تنفصل السياسة عن الخوض في الدماء ، وحيث يتمظهر التفوق والقوة بأسلوب مباشر: بسيط وبدائي ، هو ممارسة القتل بغير توقف ، واعتبار ذلك حقا مقدسا للقتلة ، يستحقون عليه المكافأة لا المحاكمة من المجتمع الدولي ، كما يستحقون مقابله أن تهرع الدول العربية ، للتطبيع مع هؤلاء تحت الطاولة أو فوقها لا فرق ، وأن تمارس ضغوطا على حماس كي تعترف بالدولة الاسرائيلية العظيمة التي لا حدود لها . ويلاحظ المرء أنه خلال الأيام القليلة الماضية ، التي ارتكبت فيها جرائم اغتيال تسعة شبان ، فقد أقدمت حكومة إيهود أولمرت الرئيس بالوكالة، على الإفراج عن أموال للسلطة يتم جمعها من عائدات الضرائب على مستوردات لمؤسسات تجارية فلسطينية ، وقد جرى إشاعة الخبر على أنه بادرة حسن نية جديدة لتل أبيب ، ورغم ما يبدو من انقطاع الصلة بين هذه الخطوة ، وبين السلوك الدموي الدائم ، إلا أن المغزى غير خاف ، فتل أبيب تمارس واجبها في اعادة أموال للجهة صاحبة الشأن ، وفي الوقت نفسه تمارس ''حقها'' في أداء طقس القتل اليومي ، من أجل البرهنة على صهيونية صافية وجذرية ، فحياة اسرائيل والاسرائيليين لا تقوم ولا تستقيم ، إلا بإزهاق أرواح أبناء الطرف الآخر ، عقابا على وجود هؤلاء على أرضهم منذ آلاف السنين ، ولأنهم لا يبدون رضاهم وسعادتهم على احتلال بلادهم ، وليس هناك ما يحول أثناء ذلك من الإفراج عن أموال ، أو حتى تمكين قادة حماس من السفر إلى الخارج ، ما دام أن الناموس الصهيوني في استباحة وتدمير حياة الآخرين ، لا يمس ولا يتبدل ، وما دام المجتمع الدولي يبدي ''تفهما'' لهذا المأثور الصهيوني ، والصحيح أنه باستثناء تواطؤ الادارة الجمهورية في واشنطن ، فإن بقية مكونات المجتمع الدولي ، تبدو عاجزة عن وقف آلة القتل الاسرائيلية ، وأحيانا غير معنية بما يجري ، بعد أن سعت من قبل دون أي نجاح لوقف هذه الآلة ، وربما بعد القناعة بأن اليمين الاسرائيلي غير راغب ، أوعاجز في أحسن الأحوال عن أن يتغير، فقد نشأت الدولة الاسرائيلية بفضل الإرهاب ، وبفضله تستمر وتنمو وتتوسع ، وتنال احترام السادة المحترمين في عالمنا . [email protected]