كل زيارة عمل لجلالة الملك الى الولايات المتحدة الاميركية او اوروبا تبني مدماكا في منظومة العلاقة العربية الاسلامية مع الغرب، وكلما ارتفع البناء ارتفع منسوب الثقة بين الشرق والغرب وتقاربت الحضارتان نحو مزيد من التعاون والتكامل وانحسر الصراع بعيدا بعيدا لأن الفوز دائما يأتي به العقلاء الحكماء الشجعان الذين بحكمتهم وشجاعتهم يهزمون مغذو الفرقة والصراع والتناحر. الملك عبدالله الثاني هو رائد حركة التجديد للفكر العربي الاسلامي الذي يتعامل مع العالم بلغة احترام الحقيقة واحترام الانسان والاعتراف بوجود الغير وعدم المكابرة والاقصاء والعيش في وهم التقوقع والانعزال. يخاطب جلالة مليكنا العالم شارحا الاسلام على حقيقته دون انكار لمعتقد الغير وموضحا حضارة العرب دون تبجح او اقلال من حضارة غير العرب، فيدعو الى التكامل والتعاون من اجل حياة افضل وامثل للانسان في كل ارجاء الوطن. تصيب خطابات الملك اهدافها دائما لأنها موجهة توجيها صحيحا ولأنها صحيحة فلا تناقض بين ما يقال خلف الابواب او امامها والتفرد الذي يميز كلام الملك انه يقوله للمعنيين مباشرة من المعنيين مباشرة على عكس كثيرين في عالمنا الذين يتعبون حناجرهم ويصمون آذان شعوبهم من شدة الخطب الرنانة التي تؤكد للمظلومين على انهم مظلومون وتبين للفقراء مدى فقرهم وعندما يتكلم المساكين لا يكترثون لكلامهم وعندما يلتقون قادة العالم يبلغوهم تحيات شعوبهم. سيدنا لا يقول الا ما يقول شعبه وعندما يتعلق الأمر بالمبادىء والقيم فانه ايضا يؤكد ان احترام المبادىء وحقوق الناس واجب يجب ان يلتزم به الجميع وان القبول بما يقبل به شعب من الشعوب بطريقة حرة يجب أن لا يجزأ أو يخضع لاشتراط مهما كانت نتيجة خيار الشعوب طالما انها مارست حريتها في الاختيار. فالملك الذي يقوم منذ ست سنوات بمهمة قيادة الحوار مع الغرب ادراكا منه لأهمية ايصال الرسالة الحقيقية من الاشخاص الذين يمثلون العرب والاسلام كثف مهماته الحوارية بعد احداث الحادي عشر من ايلول عام 2001 التي استهدفت برجي التجارة العالمية في نيويورك ومنشآت أخرى في الولايات المتحدة حيث يعرف جلالته ان غياب الصوت العربي الحقيقي يعطي الفرصة للأصوات النشاز لملء الفراغ وتشويه الصورة وتحقيق اهدافهم الشريرة في الاساءة للعرب والمسلمين وجعلهم في حرب دائمة مع العالم هدفها نبذ العرب واستعداء الاسلام ووسمها بالتخلف والارهاب والرغبة في سفك الدماء وازهاق الارواح. ان خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في معهد ترنت لوت للقيادة في جامعة المسيسبي فرصة ثمينة لشرح الراهن العربي وكسب التأييد والدعم للقضايا التي تهم العرب والمسلمين سواء في منطقتنا في فلسطين والعراق او في العالم الاسلامي الواسع الذي يدفع ثمن عدم التفهم غاليا مما يدفع شعوبه الى منحدرات اليأس والتطرف. فقد حمل جلالة الملك كعادته صوت الاعتدال والمنطق للمجتمع الغربي كما حمل لقاءه من هذا المجتمع كانوا يستمعون لخطابه في معهد ترنت لوت في جامعة المسيسبي معلومات وتوضيحات عما يدور في منطقة الشرق الأوسط التي لا تتوقف فيها التغييرات كل يوم ما يغير ايضا الواقع بشكل مستمر الامر الذي يستدعي في كثير من الأحيان تدخلات سريعة لمعالجة اضرار تقع على الشعوب بسبب الاحداث التي لا تعرف التوقف. فالملك يرى الامور بعين القائد الذي يتحرك وسط الميدان ولا يكتفي بالجلوس في المكاتب بعيدا عن نبض الشعب ورائحة الارض، من هنا فانه يعرف ادق التفاصيل والمخاطر التي تحيط بهذه المنطقة سواء جراء تراجع السلام او التردد في التصدي لقوى الشر التي يسعى افرادها الى بث مشاعر السخط والجهل لتظل صناعة الارهاب مستمرة تهرس اجساد الابرياء في كل مكان دون تمييز. ان الصراحة التي خاطب بها جلالة الملك الحضور في جامعة المسيسبي بالنسبة لنتائج الانتخابات التي جرت في فلسطين وضرورة الانتظار لمعرفة كيفية تعامل حماس مع الحقائق السياسية على الارض وكذلك التحذير الذي وجهه جلالته من ان الوقت لا يسير لصالح الفلسطينيين وخشيته من ان يدير المجتمع الدولي ظهره للقضية الفلسطينية، كل هذه النقاط الكبيرة التي وضعها جلالته بصراحة امام المستمعين تؤشر على ضرورة التحرك السريع من قبل كل الاطراف حتى لا يضيع السلام وتضيق الخيارات.
