ما تزال «فجوة» قائمة في المشهد العربي القاتم تسمح لمن يريد ان يبتسم او يقهقه بالقيام بمثل هذا السلوك غير المقبول في عالم عرب اليوم المتجهم والمصطنع الجدية والوقار وهو في حقيقته مهزوم ومخترق ويتوفر على «كم» هائل من الخواء وانعدام الثقة بالنفس و«التجوف».. في عالم عرب اليوم يستمرؤون في الأنظمة لعبة الحكي المفرغ من مضمونه والذي لا يكلف هذه الانظمة سوى اطلاق موجات من الآمال الكاذبة والوعود التي لا تنفذ والادعاء بأن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح والصحيح هنا هو انها تتجه نحو الهاوية صعودا او هبوطا لا فرق ومن لا يصدق او يذهب بعيدا في توجيه الاتهام لنا بأننا لم نغادر مربع العدمية وأننا لا نرى من الكأس سوى نصفه الفارغ فعليه ان يتأمل جيدا في ما صدر عن وزراء الاعلام العرب من قرارات وتوصيات بعد ان اجتمعوا في القاهرة مساء يوم السبت (اول من امس) في شكل استثنائي (...) نعم كان اجتماعهم «استثنائيا» كما هي صفة الاجتماعات العربية على كل المستويات ما عدا ما يختص بالقضايا السياسية او الأوضاع الطارئة التي تستدعي اجتماعات تأخذ صفة الاستعجال والاستثنائية لكن الأنظمة المعروفة بحكمتها وبعد نظرها وبرود اعصابها وقدرتها غير المحدودة على كظم غيظها والتعامل بواقعية مع استفزازات الاعداء والخصوم والمتربصين، ترى في العجلة ندامة ولهذا فهي الآن غير نادمة على شيء. السادة وزراء الاعلام العرب «الاستثنائيون» وقد هالهم حال الأمة المؤسفة والتشويه الذي لحق بصورتها في بلاد «الغرب» وبعد ان درسوا وتدارسو السبل والآليات والمقاربات اللازمة والمستعجلة والضرورية اللازمة لدفع هذا البلاء الداهم واستعادة الصورة المشرقة الزاهية لأمة العرب في بلاد الغرب فان عقولهم المبدعة تفتقت عن فكرة عبقرية وغير مسبوقة في تاريخ الاعلام العربي قديمه وحديثه على حد سواء، فاستلوا سيوف الحكمة من تحت «آباطهم» (جمع إبط) وقالوا في صوت واحد تردد في جنبات مبنى جامعة الدول العربية العتيق في شارع عبدالخالق ثروت وفي رد اعتبار للمقولة العربية الشهيرة: داوهم بالتي كانت هي الداء.. اساطين الاعلام العربي اصحاب المعالي والسعادة والعطوفة الذين يوجهون سفينة الاعلام العربي المظفرة التي سجلت ارقاما قياسية في الابحار في عالم اليوم الضاج بالتقنيات الحديثة والاتصالات المتطورة والبرامج المثيرة والمستقطبة «لجماهير الأمة» والتي تقول استطلاعات الرأي العام العربي ان وسائل الاعلام الرسمية العربية هي الأولى في المشاهدة وهي المفضلة عند الجمهور العربي وهي «المصدقة» لديهم وقبل أي وسيلة اعلامية اخرى سواء كانت للقطاع الخاص أم امتلكتها جهة او دولة أجنبية.. رأوأ (سدنة الاعلام العربي) أن يلجأوا الى شركة علاقات عامة اميركية (لها فروع في اوروبا، لزوم الجدوى والتأثير السريع) تقوم اولا وقبل كل شيء بعملية مسح لاتجاهات الرأي العام لدى الشرائح المؤثرة دوليا.. من فهم منكم معنى هذه العبارة ومدلولاتها؟ ما هو هذا الرأي العام ومن هو وفي اي دولة/ دول.. ثم ما المقصود بالشرائح المؤثرة دوليا؟ هل هي التي تقود الرأي العام وتؤثر فيه وتوجهه ام المقصود وبذلك الفئة داخل هذا الرأي العام التي تؤثر في صنع القرار في دولة/ دول ما وتشكل تاليا لوبيات او مراكز ضغط او تذهب في اتجاه «سوق» الرأي العام نحو هذه المسألة/ القضية او تلك؟ ثمة حاجة لدى السادة وزراء الاعلام العرب لان يتواضعوا ويبدوا رأفة «حتى لا نقول احتراما» للرأي العام العربي اولا وان يعودوا قبل كل شيء الى ارشيف اجتماعاتهم السابقة «الاستثنائية منها والعادية» كي يقفوا على حجم ونوع وماهية القرارات والتوصيات التي اتخذوها ولم تجد طريقا الى التنفيذ وهي بالتأكيد لن تجد طريقا الى التنفيذ لانها اولا ليست واقعية ولانها ايضا فقيرة منعدمة التمويل ولانها ثالثا ليس لها كوادر او اجهزة او تقنيات او بنية تحتية كي ترى النور ومن المناسب تذكيرهم بالقرار المدوي او التوصية المهولة التي توافقوا عليها حتى لا نقول قرروها ذات اجتماع استثنائي وكان نصها «المسارعة الى انشاء قناة تلفزيونية ناطقة بالانجليزية ولغات اخرى كي يعرفوا الرأي العام الاميركي والغربي على المواقف والقضايا العربية». اين هي هذه القناة الان؟ المرارة تلو المرارة تجري «تبليعها» للرأي العام العربي كلما اجتمع السادة وزراء الاعلام وآخر شيء يفكر فيه دهاقنة الاعلام الرسمي هو احترام او التوجه للجمهور العربي بالاعتذار عن كل اسفافات وسقطات وتفاهات كثير من الخطاب الاعلامي العربي في المساحة الممتدة من المحيط الى الخليج والتي باتت حقل تجارب اعلامية «هل تذكرون سوا والحرة وهاي الموؤدة» وما يستعد له الفرنسيون والانجليز لاطلاق فضائيات جديدة ناطقة بالعربية، دون ان ننسى التجارب الامنية والعسكرية بالقصف والاحتلالات وتجريب الاسلحة الجديدة وتعذيب السجون وانتهاك حقوق الانسان.. كذلك الاقتصادية والمالية وكل اشتراطات واستحقاقات العولمة وعضوية منظمة التجارة العالمية. أطرف ما نقل عن المؤتمر الاستثنائي لوزراء الاعلام العرب الذي انهى اعماله للتو هو ورقة العمل التي قدمتها الدولة المضيفة «مصر» تتناول خطة التحرك الاعلامي العربي في الخارج عن طريق تفعيل «..» القرار السابق «نعم السابق» بتفعيل «كرروها مرتين واحدة جديدة والاخرى قديمة» انشاء المرصد الاعلامي الذي دعا اليه الوزراء في اجتماعهم العادي قبل ثلاث سنوات «تصوروا قبل ثلاث سنوات».. فأين نحن من هنا؟
