يختلط الحابل بالنابل ويضيع صوت العقل امام هذا الاستفزاز الرخيص الذي يمارس في الغرب باسم حرية التعبير، فيفقد شوارعنا الهدوء والاستقرار ويحرك مشاعر الغضب والالم والانتقام.. ويصبح دور القادة كمن «يقني للسيل» ويبدو ان لا احد في الغرب يقرأ ورقا عن الشرق وان المجتمعات الغربية لا تكلف نفسها المعرفة عن الآخر أو حتى احترام عقائده وثقافته وقناعاته في حين يواصل «المغلوب تقليد الغالب» وهو التقليد الذي يصطدم الآن بمعطيات جديدة تمس جوهر العقيدة والثقافة والهوية والانتماء .. ويطرح السؤال الى متى؟ يبدو ان المسألة تأخرت، وان الشوارع خرجت وتلاطم الغضب فيها لعدم ادارك العقلية الغربية وتعبيراتها في القول والتفكير بمعنى ثقافة الشرق وعاداته وتقاليده وحتى اديانه.. فما في الغرب الآن ليس دينا اذ لو كانت المسيحية او حتى اليهودية او الاسلام يعمر تلك الديار لما كان قد حدث ما حدث من اعتداء على صورة الاسلام من خلال التعرض لسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وتشويهها بالصور البشعة.. يستطيع المعلومون ان يدافعوا عن عقيدتهم وصورتهم بوسائل مشروعة كثيرة جربوا الآن بعضها وقد نجحوا حين ربطوا مصالح الآخرين الذين جذفوا على الرسول (ص) وعلى الاسلام بمصالح اقتصادية وسياسية وتجارية وأمنية. فالمجتمعات الغربية تفكر في مصالحها وهي تضعها فوق كل اعتبار وحتى وهي تتحدث عن الديموقراطية وحرية التعبير فانها تنطلق من مصالح محضة اذ يوفر ذلك لتلك المجتمعات المزيد من التوافق.. اسلامنا السمح الواضح الذي نحرص على صورته وندافع عنها ولا نسمح لأحد ان يشوهها مهما كان موقعه سواء بين المسلمين أو من يدعون الاسلام أو من الآخرين شعوبا أم دولا.. هذا الاسلام يجمع الأمة ويحركها ويشكل القاسم المشترك الاعظم لها ففي وجه الاعمال الخسيسة التي استهدفت صورة الرسول (ص) تحركت العواصم والشعوب والدول عبر العالم العربي والاسلامي من المغرب حتى اندونيسيا كما تحركت الجاليات العربية المسلمة في الغرب كله تندد وتحذر وقد اجرت تمرينا حيا وارسلت اشارات واضحة لمدى تعلقها بعقيدتها لتترك للغرب مفكرين وقادة ودارسين ومراكز ابحاث ليعرفوا مدى تأثير الاسلام على اتباعه ومدى استبسالهم في الدفاع عنه ان الذين يشوهون صورة الاسلام في الغرب ويستعدون عليه كما فعلت الصحف الدانماركية والنرويجية وغيرها انما يخدمون المتطرفين ويوفرون لهم الوقود لقناعاتهم ويبررون مسالكهم الدموية التي تعاني المنطقة منها.. فالمتطرفون ودعاة العنف وممارسو الارهاب الذين يقتلون دون تمييز بين بريء ومذنب يجدون فيما تفعله تلك الصحف الساقطة والمغرضة والمحرضة مادة وذريعة لممارساتهم.. الاعمال المشينة التي اقترفتها تلك الصحف عن وعي او جهل تؤجج الصراع وتحقق نبوءات القائلين بانه يجري على أسس دينية وانه صراع حضارات لأنه لو جرى احترام مجتمعاتنا الشرقية الاسلامية باحترام ثقافاتها وخصوصياتها والتعامل معها بالمساواة والندية ومراعاة مصالحها وعدم الاعتداء المستمر عليها بالاحتلالات والقتل والتعذيب وفتح السجون والمعتقلات وقصف الابرياء وأخذ الصالح بجريرة الطالح .. لو كان ذلك تم ما كان يمكن للعداء الناتج عن تلك الممارسات ان يصل الى ما وصل اليه او يصبح جاهزا لازدياد وتائره واستفحاله.. ان كل ما يحاول الغرب استثماره من مساعدات وموازنات وعلاقات لدى الدول والشعوب في منطقتنا العربية والاسلامية لا قيمة له ولا اهمية لموازناته الكبيرة ووسائل اعلامه وشبكات التلفزة والمراكز المزروعة طالما قام في الغرب في صحيفة نكرة او حتى مشهورة لمن يروج بالعداء للمسلمين ورمزهم الرسول (ص) او النيل منه.. ردود الفعل في مجتمعاتنا الآن تبلغ ذروتها وهي ردود فعل قد ينفذ اليها ما لا يحمد عقباه ان لم تتوقف الدوائر الغربية المغرضة والمتطرفة والتي تعمل على تحويل الاسلام الى «فوبيا» عن اعمالها البشعة ان الخطر الذي ينجم عن مثل تلك الممارسات الرخيصة والمراهقة باسم حرية التعبير انما يضرب مصالح الغرب ويؤثر على استقراره فلا احد يرغب في قيام اعمال عنف كالتي حدثت في فرنسا على شكل حرائق نتاج التمييز والاعتداء على اشخاص في سياقه فكيف اذا كان المستهدف صورة الرسول (ص). ان الاولى بتلك المجتمعات ان تنتبه الى كلفة استفزاز المشاعر الدينية والاخلال بالنسيج الاجتماعي والاساءة الى ثقافة الاقليات وعقائدها لا ندعو للعنف أو الرد على الافعال الشائنة به ولكننا ندعو المجتمعات الغربية من خلال مؤسساتها الى التفكير وفهم الآخر والانتباه الى مصالحها التي كان يهددها ما يسببه بعض الجهلة من ابنائها وما يجرونه عليها من ويلات..
