تعد الأسرة أهم خلية في المجتمع الإنساني، ينشأ الفرد فيها، وينطبع بخصائصها وينعكس عليها ما في طبيعة البشر من منازع الإنانية والتسلط، وإن كان الأصل هو المودة والرحمة، من أجل ذلك أولاها المصلحون في عصور التاريخ المختلفة الاهتمام البالغ والرعاية المستمرة، لما يجدون فيها من خطورة، وقد أهتم القرآن الكريم بها، فشملها بهديه وتشريعه قبل الزواج وبعده وفي اثنائه، ووضع القواعد التفصيلية الثابتة التي تقوم عليها، ليقيم بنيانها على اساس قوي وسليم، وكما نعلم ان الأصل في الطلاق الحظر أي المنع، وإذا كان الإسلام قد جعل الطلاق بيد الرجل في أغلب الأحوال، فليس معنى ذلك أن يتعسف في استعمال حقه، بل عليه ان يحافظ على لحمة الأسرة بقوله وفعله، وسلوكه وتعامله، من أجل أن تؤدي الأسرة مهمتها المقدسة بنجاح في تنشئة الأطفال، ولتحقيق الأمن والسعادة لهم في ظل علاقات زوجية يسودها الوئام والمحبة والتراحم، والمتتبع لظاهرة الطلاق في الأردن يجدها بازدياد كما تتحدث الاحصائيات الصادرة من الجهات المسؤولة، ولا بد أن يبحث أصحاب القرار من رسميين وأولياء عن أسباب هذه الظاهرة ليجدوا لها الحلول السليمة، وفي تقديري استطيع ان أقف على جملة من أسباب ظاهرة الطلاق أهمها: أولا: ضعف الوازع الديني لدى الزوجين، وهذا ناتج عن الجهل بأحكام الشريعة الناظمة للعلاقات الزوجية على أسس واضحة وراقية، مما يجعل كل من الزوجين يجهل ما له وما عليه، مع عدم إدراك أن الزواج رباط مقدس بين الطرفين يجمع ولا يفرق. ثانيا: الزواج غير المتكافىء في حالات تزويج الفتاة في سن مبكرة، وهذا نتيجة الممارسات الخاطئة من ولي الفتاة الشرعي، فلا يفسح لها المجال لإبداء رأيها ويغلق أبواب الحوار، ويفرض سلطته الأبوية ويجبرها على الزواج من غير الكفؤ، مما يصيب الحياة الزوجية بالشلل وعدم القدرة على الإستمرار، كما أن بعض الأولياء لا يترك المجال لابنته أن تقرر وأن تختار الاختيار الصحيح وفق الضوابط الشرعية مما يفقد الحياة الزوجية الدوام. ثالثا: التسرع في الزواج نتيجة الطيش لإشباع رغبة أو نزوة عابرة عارضة، فلم يعط الشاب والفتاة لنفسيهما الفرصة للتفكير في المآل والعاقبة، ويكتشفا بعد فترة وجيزة ان زواجهما فاشل فيسارعا الى انهائه. رابعا: الحمق والغضب السريع مما يؤدي الى ان يتصرف كثير من الأزواج التصرف المشين تجاه زوجته بالطلاق، مع أن الإسلام امر كلا من الزوجين بالصبر على الآخر، مع معالجة ما يراه من أخطاء بحكمة ووعي. خامسا: الزواج لمصلحة مادية بحتة، وهذه ظاهرة لافتة للنظر، يقدم كثير من الشباب على الزواج من امرأة ثرية بغية المنفعة المادية العاجلة، وينسى الرابطة المقدسة الروحية والقلبية والجسدية، فإذا منعت عنه المنفعة تأفف من الزواج، وسعى للطلاق، يعلل ذلك بأسباب واهية لا أساس لها من الصحة والصدق. سادسا: عدم الثقة والإحترام بين الزوجين، وهذا نتاج قلة الدين، وعدم الالتزام بأحكامه، لأن من ركائز بقاء نسيج الأسرة الثقة المتبادلة بين الزوجين، فلا مجال للشك يطاردهما، زد على ذلك الإحترام المتبادل النابع من الحب والمودة والمعاشرة بالمعروف، عندها تستقيم الأسرة على منهج متوازن نظيف. سابعا: عامل السن، ربما يزوج بعض الأولياء بناتهم من أشخاص الفارق العمري بينهما كبير، طمعا في مصلحة تحقق مادية او معنوية، مما يؤدي الى عدم قدرة الزوجة ان تتعايش مع الزوج، لأنه يعيش بعقلية لا تناسبها، ولا يستطيع ان يشاطرها الرغبات، مما يضطره او يضطرها الى انهاء العلاقة بالطلاق. ثامنا: عامل تعدد الزوجات، يقدم بعض الرجال على الزواج من أخرى، هذا امر مباح في الشريعة، ولكن الاباحة مقيدة بضوابط شرعية واخلاقية أولاها العدل المادي والقدرة على الانفاق، والملاحظ ان بعض المعددين يلجأ الى الزواج نكاية بزوجته أو بأهلها، لخلاف حدث، وعجز عن حله وعلاجه، هذا من شأنه يرفع من معدل حالات الطلاق، لأن الزوجة بطبعها لا تحب ان يشاركها احد بزوجها. تاسعا: التباين في الثقافة والتعليم، الأصل ان تكون جوامع مشتركة بين الزوجين من حيث التعليم، حتى تستقر الحياة الزوجية بينهما، والواقع ان بعض الأولياء يزوج ابنته الجامعية من قريب له او ابن صديق ومستواه التعليمي ادنى بكثير من مستوى ابنته، لمصلحة له ضاربا بالمستوى التعليمي بينهما عرض الحائط، وهذا يشكل اذى وخطورة على العلاقة بينهما، وغالبا تنتهي بالطلاق، وهذا جناية اكيدة على ابنته. وحتى نجنب بلدنا الغالي هذه الكارثة، لان انهيار الاسرة بداية لتفتت الامة والمجتمع، لا بد ان تكون المعالجة لظاهرة الطلاق على المستويين الرسمي والشعبي، من خلال التوعية الشاملة، وهذا منوط بكافة وسائل الاعلام، وان يفسح المجال للعلماء ورجال الفكر والاصلاح لعقد الندوات والمحاضرات من منطلق الحرص على بناء الامة، لان الغاية النبيلة تحتاج الى وسائل شريفة، كما ويقع على عاتق العلماء دور التنوير والتوجيه من خلال المنابر المتعددة في المساجد والمدارس والجامعات من اجل تقوية الوازع الديني، وحث الناس على الالتزام باحكام الشريعة مع السؤال والتعلم ومعرفة اساسيات ومقومات الحياة الزوجية، لان الطلاق في معظم حالاته نقمة على الاسرة والمجتمع، ينتج عنه تشرد الاطفال وربما جنحوا الى الجريمة، نتيجة فقدانهم المعيل والتوجيه السليم من الابوين، كما يؤدي الى زرع بذور البغضاء والعداوة بين الاسر والعائلات في مجتمعنا.
