ثمة مشكلة كبرى حقاً، فالمذابح اليومية في العراق قلما تستوقف أحداً من "القوى الوطنية والقومية الإسلامية"، إذ يجري النظر إليها باعتبارها مجرد تفصيل ومجرد سلوك خاطئ وغير مقصود، على هامش نشاطات المقاومة العراقية. لقد سقط الآلاف نتيجة تلك "الأخطاء" كما يصور الأمر أولئك غير المعنيين بحق العراقيين في الحياة. ولو كان الأمر مجرد أخطاء عارضة، فهل كانت صدرت فتاوٍ في العراق، تقول إن " دفع الضرر العام يتقدم على دفع الضرر الخاص" أي أنه في سبيل مقارعة الاحتلال، لا بأس أن يقتل مدنيون بالعشرات كل يوم، بل وأن يتم استهداف أولئك بمن فيهم موظفو الدولة وأعضاء الجمعية الوطنية المنتخبة والحلاقون، إلى جانب استهداف المساجد والكنائس وأساتذة الجامعات ورجال الشرطة. أجل إن أحداً لا يماري بأن هناك نشاطات مسلحة ضد القوات الأميركية تؤدي إلى إلحاق أذى جسيم بهذه القوات، غير أن المعركة لا تقتصر على استهداف هؤلاء. إذ أن الجزء الأكبر منها يتجه لاستهداف المجتمع،ولتحرير العراق من العراقيين!. ومن دواعي الغرابة حقاً، أن الجماعات التي تستهدف الأميركيين هي نفسها التي تتربص بالعراقيين، وتوقع بهم المذابح اليومية، وتطلق حرباً طائفية وأهلية، لم يسبق للعراق أن تشهد مثلها، حتى تحول البلد إلى مسرح مفتوح للجريمة والفوضى الدموية، وما يتصل بذلك من تعديات وقطع أرزاق وتدمير ممتلكات وتمزيق النسيج الاجتماعي وتبديد الثروات، وهي " مآثر " عجز الاحتلال نفسه عن اجتراحها، وإن كان اقترف بعضاً منها. لقد آن الأوان، لاتخاذ موقف نزيه ومسؤول من هذه التطورات التي تدمي كل صاحب حس أو ضمير. فإذا ما استمر الوضع الكارثي على ما هو عليه، فإن خروج قوات الاحتلال، سيؤدي بدلاً من استعادة السيادة والحرية، إلى توسيع نطاق الحرب الأهلية، وحرمان العراقيين من أن يقرروا مصير بلدهم ويحكموا أنفسهم بأنفسهم. وهو أمر من الوضوح بحيث لا يحتاج إلى مزيد بيان. إذ أن الاستهداف المنظم لرجال الدولة والنواب المنتخبين ورجال الشرطة وتقويض الإدارات والمؤسسات. يرمي إلى الوصول إلى حلول صفرية، فإذا ما خرجت قوات الاحتلال كما هو مأمول ومطلوب، فإن الطريق تصبح مفتوحة لاغتصاب السلطة من وراء ظهور العراقيين، بما يفتح الأبواب أمام أسوأ النزاعات الأهلية، بحيث يجري تتويج معاناة العراقيين بكوارث جديدة، وتلك هي "البشرى" الوحيدة التي يحملها أولئك المعترضون على حق العراقيين في تقرير مصيرهم بأنفسهم، وإقامة نظام وطني ديمقراطي، ترتضيه الأغلبية الغالبة. ومن دواعي الغرابة أن لا يلاحظ ذلك بعض الملاحظين من محبي العراق بلد الخير والعراقيين أهل الخير.