بعد أيام قليلة ندخل خصب تموز .. وتستعيد الذاكرة أغنيات الحصاد والمنجل .. في العهد الشيوعي الذي انهارت منظومته في معظم الدول التي تبنته نظام حياة، صار المنجل شعارا، وصارت المطرقة التي يحتضنها المنجل أداة توعد المناوئين لشعارات الثورة .. وكانت عبارة مثل «الحديد والنار» تلهب المشاعر، فيما صيحة من مثل «يا عمال العالم اتحدوا» تشعل أوار الحماس في الجموع، التي كان يتم حشدها بمناسبة وبدون مناسبة. كانت أياما خواليا .. وانتشرت شعارات الثورة بين شباب العالم كانتشار النار في الهشيم، ولم تسلم حتى زعيمة العالم الحر ورأس سنام الرأسمالية الكونية اميركا، التي تعاملت بلا أي ديمقراطية مع ابنائها، ممن امنوا بمبادئ الاشتراكية العالمية وتبنوها، وقمعتهم وطاردتهم واعتقلتهم. وحقبة ستينيات القرن الماضي ومطلع سبعينياته، تشهد على الحراك العالمي المتمثل بالاستقطاب والتحشيد والتحريض، والاغنيات والأجواء الحماسية التي كانت سائدة .. وربما أكثر الشيوعيين يأسا ما كان ليصدق وقتها التحولات الكبرى التي عصفت بالعالم بعد ذلك وما حدث أواخر ثمانينيات القرن الماضي لدول المنظومة في شرق اوروبا خلال أعوام قليلة توجت بسقوط جدار برلين وانهيار الشيوعية حتى في عقر دارها روسيا وتفكك دول الاتحاد السوفياتي السابق ودويلاته!!. احداث كبرى توالت تداعياتها بعد ذلك تباعا، وبسبب تسارع وتيرة الاحداث العالمية منذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا، واحتلال العراق للكويت، ثم احتلال العراق بعد دزينة اعوام من الحصار، لم يتسن للمتابعين والمختصين قراءة احداث عشرين عاما مضت بتأن وعمق، وتأمل دروس التاريخ التي تعج بها تلك الحقبة المفصلية في تاريخ الانسانية الطويل .. نعود لخصب تموز، ولمناجله المشدودة في أيد لفحتها شمس الشرق، ولأهازيجه والطالعة من حناجر شحذها الإيمان ومنحتها سنابل القمح الذهبية عزيمة، «منجلي يا مين جلاه، راح للصايغ جلاه، ما جلاه الا بعلبة ريت .. هالعلبة عزاه». سنابل القمح، سهوله الممتدة بالوعد على مدى وهاد الوطن .. ليالي الصيف .. دوالي العنب، الذهب الآخر اللامع بالفرح والبركة .. جلسة ليلية عند شاطئ بعيد، فيما نسيم البحر يداعب الأحلام المسافرة نحو أفق مخملي واعد .. لا أحب عادة الصيف .. لكن الحياة ليست طويلة بما يكفي لكي نشطب من قائمة أفراحنا فصلا بكامله كل عام من أعوام عمرنا الراكض نحو تخوم النهاية .. ولن أتردد بناء عليه بمعانقة ليالي صيف عمان والركض في شوارعها بكل ما أوتيت من فرح ورغبة عارمة بالحياة ...!!.