قد يعجب المرء لو علم ان القطبين المغناطيسيين الشمالي والجنوبي في الكرة الارضية ليسا ثابتين بل يتحركان من بقعة الى أخرى على سطح الارض. وعندما نذكر القطب الشمالي او الجنوبي نعني عادة القطب الجغرافي، اي نقطة خط عرض 90 درجة، وهذا ليس القطب المغناطيسي الذي تشير اليه البوصلة. ولو أبحرنا بالاتجاه الذي يشير اليه مؤشر البوصلة لوجدنا أنفسنا في منطقة الجزر الواقعة شمالي كندا اي حوالي 1500 كم الى الجنوب من القطب الشمالي الجغرافي، وقبل 170 عاما كانت المسافة بين القطب المغناطيسي والقطب الجغرافي اطول مما هي عليه اليوم. وفي حملتي استكشاف جرتا مؤخرا قام فريق من الجيوفيزيائيين من قسم الطاقة والمناجم والموارد الطبيعية في كندا بتحديد موقع القطب الشمالي المغناطيسي في نقطة تبعد 350 كم الى الشمال الغربي من خليج RESOLUTE في الاراضي الكندية، وكما هو متوقع لم يستعمل الباحثون البوصلة العادية في هذه المرحلة الكشفية بل جهازا يسمى ماجنتو ميتر MAGENTO METER. والسبب هو ان البوصلة العادية ترتبك وتشرع في الدوران حول نفسها عندما تقترب من القطب المغناطيسي لأن خطوط القمة المغناطيسية تدخل الارض في تلك النقطة فيحاول مؤشر البوصلة ان يتبعها فيؤشر الى اسفل ولكنه يعجز عن ذلك بسبب طريقة تركيبه وهذا ما يؤدي الى دورانه حول نفسه. وبطريق الصدفة قام فريق من العلماء في نيوزيلندا في نفس الفترة برحلة استكشافية لتحديد موقع القطب الجنوبي المغناطيسي الذي يغير موقعه (كما هو الحال في القطب الشمالي) بحوالي عشرة كيلومترات كل عام، لذلك يعاد تحديد موقعه مرة كل خمس سنين. وقد كشف العلماء النيوزيلنديون عن موقعه هذه المرة وحددوه في استراليا. وقد غير القطب الجنوبي المغناطيسي موقعه بمئات الكيلومترات عن الموقع الذي حدده العالم البريطاني ارنست شكلتون اول مرة عام 1909، ولا احد يعلم علم اليقين لماذا يغير القطبان المغناطيسيان موقعيهما من حين الى آخر، والشيء الثابت هو ان القطبين المغناطيسيين ليسا كيانا جيولوجيا ثابتا وكأنهما قضيب مغناطيسي ضخم مدفون داخل الارض بل هما مناطق قوة مغناطيسية متحركة دوما، فهما فضلا عن حركتهما التي تقدر بعشرة كيلومترات في اليوم الواحد بسبب تأثير الشمس عليهما، والتعليل الوحيد هو ان الارض ليست قطعة مغناطيس دائم فالتيارات الكهربائية الموجودة في جوف الارض المنصهر قد تولد المجال الكهربائي الذي يؤدي الى ايجاد القطبين المغناطيسيين، لذلك فدوران الارض يخلق الحركة في السائل داخل الارض ولعل ذلك هو السبب في انتقال القطبين من موضعيهما باستمرار. ولكن الى اين ستنتهي هذه التغييرات في المستقبل؟ وهي ان لم تؤثر كثيرا على سير الملاحة والملاحين في هذا العصر الا انها ذات اهمية علمية كبرى للعلماء. وقد تبين من العينات الجيولوجية ان المجال المغناطيسي للارض في الماضي كان عكس ما هو عليه الآن، ومن يدري فقد ننظر الى البوصلة في يوم من الايام فنجدها تشير الى الجنوب بدل الشمال
