هل من المنطقي أو الحس السليم، أن يتم توجيه النقد لحكومة ما من الخارج، أي في وسيلة إعلام أو من منبر في الخارج ؟. الجواب بالإيجاب، للأسباب التالية أولاً: أن الدول التي تشهد تحولاً ديمقراطياً، لا يضيرها توجيه نقد لها من أحد أبنائها أو من طرف خارجي، شريطة أن يكون هذا النقد موضوعياً وأن لا يحمل طابع التهجم، أو أن يجري تجييره لمصلحة طرف خارجي. والنقد سواء صدر في الداخل أو في الخارج، هو جزء من الحياة الديمقراطية بل لن تستقيم هذه الحياة بدونه. ثانياً: من المهم والمنطقي أن يجري توحيد الخطاب الموجه إلى الداخل وإلى الخارج على السواء. إذ أن ازدواجية الخطاب تضعف صدقيته. ويقال دائماً عن حق أو عن غير حق، بأن خطابا ما لحكومة ما، إنما هو «للاستهلاك المحلي». وذلك في إشارة إلى اختلاف هذا الخطاب الذي يدغدغ المشاعر، عن ذلك الذي يصدر في الخارج. وأكثر من ذلك فإنه مطلوب توحيد خطاب القوى السياسية والثقافية والإعلامية في الداخل والخارج، وليس فقط خطاب الحكومات. فالشفافية هي دليل على نجاعة وكفاءة كل سياسة. أما الازدواجية أو التضارب، فإنها تثير الشكوك وتطفئ النقاط الإيجابية المضيئة. ثالثاً: ساهمت وسائل الإعلام والاتصالات الحديثة، في تقريب المسافات وإزالة الحواجز بين الدول والمجموعات وحتى القارات، ولم يعد هناك ما يمكن إخفاؤه أو حجبه. فالناس في كل مكان باتت تعرف ما يقال داخل هذا البلد أو ذلك، وطبيعة الاتجاهات المختلفة فيه. وتعددية الخطاب السياسي داخل البلد كما في خارجه، هي دليل على التنوع والحيوية. والمقياس هو الرصانة واحترام عقول الناس، والاعتماد على معلومات صحيحة وعدم تأليب قوى أجنبية معادية. رابعاً: يجري إيراد مثل عن الأخوة المصريين الذين يمتنعون عن نقد حكومة بلدهم في الخارج، بينما يفعلون ذلك في وطنهم، وهو المثل الذي أورده الزميل الدكتور فهد الفانك في مقالته يوم أمس. على أن هذا المثل ليس صحيحاً أو أنه غير دقيق. فالمعارضون وحتى السياسيون المصريون المستقلون من أكاديميين وسواهم، لا يترددون عند الاقتضاء عن نقد حكومة بلدهم في وسائل الإعلام الخارجية، والفضائيات زاخرة بمشاركة سياسيين وإعلاميين مصريين، ليس حالياً فقط بل منذ حوالي عشر سنوات. وعليه فإن الاتكاء على هذا المثل، ليس صائباً إذ أن الوقائع وببساطة تفيد بغير ما يذهب إليه من يشككون في وجاهة وسلامة توجيه النقد من الخارج. وفي نهاية الأمر، فإن الحدود تكاد تمحى بين الداخل والخارج. ومن واجب كل سياسي أن يلتزم الموضوعية ويضيء الجوانب الإيجابية وما تحقق من إنجازات في بلده. على انه ليس ملزماً في الوقت نفسه بالدفاع عن الأخطاء وتزيين السلبيات متى وجدت. والخطاب المقنع هو الذي يلتزم الموضوعية، ويعتمد الحقائق، ويحمل تصورات ومقترحات للإصلاح لمصلحة البلد ومنفعة الناس بصورة عامة.