لم تكن نتائج التصويت في الانتخابات الرئاسية الايرانية قد ظهرت عندما اطلق الرئيس الايراني (المغادر) محمد خاتمي عبارته اللافتة التي توقف عندها كثيرون وقبل ادلائه بصوته في مقر وزارة الداخلية في طهران قائلاً: انتهى كل شيء .. رئيس امتدت ولايته ثماني سنوات حفلت بمواجهات «ومعارك حقيقية مع المحافظين ومسيرة شابتها الكثير من الانتقادات والهجوم الشخصي والدعوات الى الاستقالة من قبل المعسكر الذي لم يرتض ان يتقدم خطاب الاصلاحيين المشهد الايراني وان تعلو الاصوات المطالبة بالمزيد من الحريات والمزيد من فرص العمل والمزيد من حرية الصحافة ورفع الرقابة عن الصحفيين واحترام حقوق الانسان وعدم التدخل في شؤون الجامعات والحد من هيمنة رجال الدين على القرار السياسي .. انتهى كل شيء عبارة غامضة ومفتوحة على قراءات عديدة نحسب انها في كل الاحوال حتى لو فاز «البراغماتي» هاشمي رفسنجاني او آلت الأمور في الدورة الثانية المقررة يوم الجمعة المقبل، الى المحافظ محمود احمدي نجاد او الاصلاحي مصطفى معين او رئيس مجلس الشورى مهدي خروبي السابق التي تقول الانباء ان احد الثلاثة الاخيرين سيكون (عند الانتهاء من فرز الاصوات في شكل رسمي) هو الذي سيواجه رفسنجاني .. نقول لا نحسب ان خاتمي سينهي حياته السياسية، ويخلد الى الراحة او يقبل بحمل بطاقة المتقاعد وبخاصة ان الامور في ايران مفتوحة على كل الاحتمالات بل ان «المعركة» ستكون بالفعل بدأت غداة الاعلان عن الفائز في انتخابات الجمعة المقبلة لأكثر من سبب ليس اقلها دور ايران الاقليمي ومستقبل علاقاتها مع الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي في ظل الجدل القائم الان حول البرنامج النووي الايراني وما يمكن ان تتخذه واشنطن من خطوات في هذا الاتجاه اذا ما صمم الرئيس المنتخب على المضي قدماً في تنفيذ البرنامج خلاف ما تطالب به ادارة بوش والترويكا الاوروبي (فرنسا والمانيا وبريطانيا) .. ناهيك عن تعقيدات الملفات الداخلية التي تعصف بالبلاد والتي اضعفت من موقف الرئيس خاتمي خصوصاً في فترته الثانية عندما عجز عن الحد من ظاهرة البطالة التي وصلت الى 40% وارتفاع نسبة الفقر وارتفاع الاسعار وخيبة امل الشباب والنساء الذين وقفوا الى جانبه في انتصاره الساحق في ايار 1997 على امل ان يحقق برنامجه الاصلاحي ما عجز عن تحقيقه سلفه هاشمي رافسنجاني في فترتيه اللتين امتدتا من العام 89-1997. ايران اذاً بعد الانتخابات ستكون على مفترق طرق ايا كان الذي سيجلس في المكان الذي سيغادره خاتمي بعد شهر ونيف (آب المقبل) والتركة التي خلفها خاتمي ليست سيئة او ثقيلة في كل الاحوال مهما قال المحافظون ولا يتحمل خاتمي مسؤولية تدهور الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية بل ان ارتفاع اسعار النفط ستكون مفيدة للرئيس المقبل لمعالجة الكثير من الملفات الداخلية تحت اي برنامج جاءت فيما كانت سنوات خاتمي الثماني بل معظمها وباستثناء العام الاخير ضاغطة حيث تراجعت اسعار النفط .. خاتمي بشخصيته المتزنة وعقليته المنفتحة وانحيازه لثقافة الحوار والمقاربات التصالحية استطاع ان يكسر الطوق والعزلة التي حاولت واشنطن فرضها على الجمهورية الاسلامية وهو كذلك واذ وجد نفسه امام حملة ضارية كثفها واشنطن على بلاده (وعلى المسلمين في شكل عام) وتصنفها في محور الشر الثلاثي الشهير ذهب الى الغرب رافعاً شعار الحوار ويافطة حوار الحضارات وحط في الفاتيكان وفي اليونسكو وفي اكثر من عاصمة اوروبية مكنه من مواجهة الاتهامات التي كانت تكيلها له دوائر المحافظين في بلاده وان كانوا (المحافظين) استفادوا من دبلوماسية خاتمي، ووظفوها لصالحهم تارة لامتصاص الغضب الجماهيري على تزمتهم ودفعهم ايران نحو مواجهة خسارة وطوراً لاحراج خاتمي ودفعه للبقاء في مربع الدفاع ازاء طروحاتهم المتطرفة .. انتهى كل شيء .. عبارة تقرأ من زوايا متعددة لكن يصعب اعتبارها «نعياً» للجمهورية الاسلامية او انتقاصاً من تجربتها الديمقراطية التي يمكن القول عنها الكثير ووصفها بأنها غير كاملة وانتقائية وبخاصة في الدور الذي ينهض به مجلس تشخيص مصلحة النظام لجهة «غربلة» من يحق له الترشح لمقعد رئاسة الجمهورية ام مجلس الشورى ام البلديات والدور المركزي الذي يقوم به المرشد الروحي (ولاية الفقيه) في الشأن السياسي المحلي لكنها في كل الاحوال وبعد ان تخرج من هذه الدوائر الى الشارع فانها تكون نزيهة وشفافة وهو ما يسجل لها ويحسب لصالحها حيث يتصارع الاصلاحيون والمحافظون باحتكام الى الجمهور وقبول بخياراته ولهذا ليس صدفة جاء خاتمي الى الحكم واستمر ثماني سنوات وان كان المحافظون لم يتركوا لحظة الا واستغلوها لافشال برنامجه واحباط مساعيه .. ملفات عديدة وخطيرة بانتظار الرئيس المقبل بدءاً من العراق وليس انتهاء بملف حزب الله في لبنان وحماس في فلسطين وليس عبثاً والحال هذه ان رافسنجاني ارسل رسائل واضحة الى واشنطن من شأنها سواء عبر استعداده لفتح صفحة جديدة في علاقات بلاده معها ام في موافقته على مبادرة الامير عبدالله والقبول بما يقبله العرب في المسألة الفلسطينية ثم اعتباره مصلحة ايران اهم من مصلحة حلفائها في سوريا ولبنان. [email protected]
