مفهوم «الأمن العالمي» لعبة ذهنية في الأكاديميات ومراكز الأبحاث. وذريعة قائمة للعولمة المتوحشة تسوغ بها جرائمها في حق الشعوب، ودعوى عريضة يوجل عن مناهضتها الواجلون .. وإلا، فمن أحق بأن يستشعر الأمن في هذا القرن السادس الاستعماري «على اعتبار أن الاستعمار بدأ في القرن السادس عشر الميلادي» أو السابع، أهم المستعمرون ذوو الأساطيل والبارجات والصواريخ العابرات، أم هم العرب والمسلمون وسائر الشعوب التي ناء الاستعمار بكلكله على صدورها؟ من أحق بالأمن وأجدر ان يذوقوا له معنى ويتحققوا له واقعا ملموسا. أهم جلادو غوانتنامو وأبي غريب وسجون الاحتلال الصهيوني. أم هم العراقيون والفلسطينيون الذين تنسف على رؤوسهم المنازل ويساقون ألوفا الى ظلمات السجون التي يمارس فيها رسل الحضارة الغربية (!) تطبيق ما يزعمون من حقوق الانسان وحرياته؟! قد يبلغ الترف الذهني باليهودي الألماني يورغن هابرماس أن يرى في مسألة الأمن العالمي إشكالية «طبيعية»، أو نتيجة «حتمية» تكاملت مقدماتها لرأسمالية اسقطت الحدود و «العراقيل!» بين الدول. أو أن يرى فيها إلى الحدود المفتوحة أمام السلع والأفكار وما يكون جراء ذلك من أسباب الربح والخسران للدول المسيطرة ومن يرتبط بها من المحتكرين. وقد يذهب الى ما يحلو له أن يتتبعه من المفاهيم التي قد تتولد عن هذه النقلة النوعية في إيقاع الاستعمار، أو الى ما وراء ذلك من بواعث التأمل الفلسفي الهادئ المريح!! لكن هذا كله لا يعكس الوقائع الشرسة للحضور الدموي للغرب في العالم، ولا يخفف من همجية الاقتحام «الحضاري» لجنود العم سام ولجنود يهوة ربّ الجنود، ولا يترجم في المحصلة عن أي معنى من معاني الأمن الحقيقي في عالمنا الذي يحكمه الاستعمار (القديم الجديد) منذ قرون .. الأمن العالمي كذبة كبرى ما لم يكن هو أمن شعوب الأرض كافة، وما لم تتوافر له شروطه الموضوعية، وأول ذلك كرامة الانسان الذي سخر الله سبحانه وتعالى له ما في السموات وما في الارض جميعا، والذي هو «أحق بالأمن» بكل مقياس .. لو كانوا يعلمون.