هل ننظر الى الوراء، ام نتقدم الى الأمام، هل نقرأ واقعنا ام نتركه خلفنا، هل نحاكم انفسنا أم نتحاور ونسمع الرأي الآخر، هل نتجاوز ما يدور حولنا ام ندقق النظر في كل ما يجري حولنا، امام هذه التساؤلات وغيرها، هل نخشى الاصلاح، ام نتحرك بوتيرة واضحة نحوه؟ فنصلح بلدنا ومجتمعنا وواققعنا ونتجاوز ما يدور في صالوناتنا المختلفة من أحاديث ومساجلات كلامية بعضها يحسن الشد العكسي ولا يرغب ان يسمع كلمة اصلاح واحدة، وبعضها الآخر لا يزال متوجسا من القضايا والملفات المطروحة وينظر اليها نظرات متباينة، ويرى انها قد تحتمل التأجيل، مع ان الاصلاح لا يحتمل التأجيل، وانما يحتاج الى تعدد الآراء والوعي والصبر والبصيرة النافذة التي تعي ابعاد الاصلاح والتحديث والتطوير وفتح الملفات كلها ومناقشة علاقاتها مع بعضها بعضا وارتباطاتها وتأثيراتها الداخلية والخارجية ونتائجها الايجابية والسلبية، فضلا عن الحاجة الى الطموح والشراكة والتعاون بين طبقات المجتمع وفئاته والوانه واطيافه السياسية والفكرية والثقافية والعلمية من خلال طروحات تكسب ملفاتنا وقضايانا مهارات تنتج وتجمع وتقربنا من بعضنا بعضا، وتبعد الوهن والضعف والتناقص والاستلاب، وتعيد لبلدنا دوره ونشاطه دون اخفاق او تهويل او تقلب، وتضعه في مكانه الحقيقي على المستويين الداخلي والخارجي، فهل نرفض الاصلاح ام نمضي اليه؟ ولماذا لا نتقدم اليه بارادتنا الاردنية الصلبة مع جلالة الملك الذي يسبق المنطقة في تحركاته واصلاحاته وينطلق من اجندة وطنية لا علاقة لها بالخارج او بالاجندة الشخصية، وهنا دعنا نسأل من يصنفون الحوار الدائر وكأنه بين اصلاحيين وغير اصلاحيين، ألم تقم حركات اصلاحية في تاريخ امتنا الحديث تنقد واقعهم وتخلفهم وتطالب بتخليصهم من الاستبداد والظلم والطغيان كي يلحقوا بركب الحضارة الانسانية آنذاك؟ ألم يدعو محمد عبده الى الاصلاح؟ ألم يدعو الطهطاوي الى اللحاق بركب الغرب في ثورتهم العقلية؟ ألم يدعو قاسم أمين الى تحرير المرأة واصلاح النظم الاجتماعية؟ واليوم يدور نقاش واسع داخل الوطن العربي وخارجه حول عملية الاصلاح في ظل المشاريع التي تطالب العرب باتخاذ خطوات عملية وحقيقية في هذا الاتجاه، ولا ندري لماذا يتمترس بعضنا ويحاول ان يقف ضد الاصلاح مع ان الاصلاح يعطي الجميع الحقوق والواجبات نفسها ويخلص الناس من عقدة الخوف والعقلية الماضوية، بل يعيد التوازن للفرد ويشعره بقيمته وأهميته. والاردن في طليعة الدول المنادية بالاصلاح، وقد بدأ خطواته منذ أواخر الثمانينيات ولم يأخذ العرب هذا الأمر بمحمل الجد! والسؤال الا يستحق الفرد ان يشعر انه انسان يستطيع ان يفكر ويخطط ويطرح وجهة نظره بعيدا عن الخوف ومصادرة حريته في التعبير ضمن ثوابت الدستور والقوانين والانظمة والديمقراطية الحقيقية، ولا ندري لماذا الخوف، او التشكيك في مدى وطنية البرامج الاصلاحية قبل الاعلان عن خطط الاصلاح نفسها؟ وهنا نتمنى على النخب السياسية ان تبادر مع باقي تيارات المجتمع المدني الى تبني رؤية جلالة الملك ورغبته الصريحة والجريئة في الاصلاح والتحديث لوضع آليات العمل السياسي والاقتصادي والاجتماعي لادارة الاختلاف والائتلاف، فضلا عن الممارسات الديمقراطية العملية التي تطبق على الارض، وهذه المناسبة مهمة للتأكيد على هويتنا وعقيدتنا وثقافتنا والتركيز على النموذج الاردني في التسامح والعدل والنزاهة وحقوق الانسان، وهذا النموذج مثار اعجاب الكثيرين داخل المنطقة وخارجها، ويبقى السؤال الأكثر الحاحا الى متى تطاردنا نظرية المؤامرة؟ من أين سنبدأ الاصلاح، من نقطة الصفر ام من وسط الطريق ام من التحديات المتمثلة بالاختلالات الاجتماعية، من مثل الفقر والبطالة والفساد والحرمان واصلاح قطاعات الدولة كلها كي يشارك الجميع في تحمل المسؤولية ونقله من ثقافة الخوف الى ثقافة المشاركة. وها هو الواقع الاردني في سلم اولويات القيادة، اذ تنظر اليه بوضوح وشفافية ورؤية عميقة وان ابناء الوطن من مختلف المنابت والاصول لا يختلفون عن بعضهم بعضا في العطاء والنماء والبناء والتواصل، ولذلك، فان ما قاله الملك حول قضايا التوطين والاصلاح والدستور ينبغي ان لا يمر بدون قراءة فاحصة وعميقة وشفافة لانها تعبر عن مرحلة وواقع وظروف وتحديات تواجهها المنطقة عموما والاردن خصوصا، وهكذا فان واقعنا بتحدياته والفرص المتاحة امامنا تفرض علينا ان نحلل الراهن، وان نضع الخطط والآليات والتصورات التي تستوجب الوضوح والتأمل والحكمة والرؤى والإدارة والصلابة في المواقف المتباينة لوضع حجر الاساس لانطلاقة عملية الاصلاح، وان نسخر قلوبنا وعقولنا وفكرنا وأقلامنا للدفاع عن جدوى الاصلاح وأهميته في بناء مؤسسات الدولة الاردنية والرد على المشككين، لرفع رايات الوطن، ولنعد العدة ونمضي في طريق الاصلاح والتحديث والتطوير لكي نصل الى ما نحلم به من مستوى متقدم.