بغداد ـ وكالات ـ رفض رئيس الوزراء العراقي ابراهيم الجعفري بغضب امس التحذير الاميركي من قيام الحكومة الجديدة على أسس طائفية قائلا ان العراقيين لن يقبلوا تدخلا في شؤونهم. وكان الجعفري يتحدث في مؤتمر صحفي بعد مباحثات مع وزير الخارجية البريطاني جاك سترو الذي كرر الدعوة الاميركية الى تشكيل حكومة وحدة وطنية في العراق.
وقال رئيس الوزراء العراقي الذي يتسم عادة بالهدوء واللباقة الدبلوماسية ان العراق يعرف مصلحته.
واضاف للصحفيين : «عندما يسألنا احد ان كنا نريد حكومة طائفية فالاجابة هي كلا لا نريد حكومة طائفية.. لا لأن السفير الاميركي يقول ذلك او لأنه يوجه تحذيرا... لسنا بحاجة لمن يذكرنا شكرا لكم».
وقال السفير الاميركي لدى العراق زلماي خليل زاد الاثنين ان الولايات المتحدة التي قادت غزو العراق عام 2003 للاطاحة بصدام حسين تستثمر مليارات الدولارات في العراق ولا تريد ان تجد تلك الاموال توجه لدعم سياسات طائفية.
وردد سترو نفس المعنى مستخدما تعبيرات أقل حدة اذ قال عقب اجتماع مع الرئيس العراقي جلال الطالباني امس ان نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية التي اجريت في 15 كانون الاول تظهر انه ليس بمقدور أي حزب أو طائفة عرقية أو دينية أن تهيمن وحدها على الساحة السياسية الجديدة في العراق.
وقال سترو : «هذه لحظة حاسمة الآن للشعب العراقي. لقد اجريت الانتخابات في 15 كانون الاول. ولدينا الان النتائج النهائية المصادق عليها. وما تظهره هو انه ليس بمقدور أي حزب أو تكتل عرقي أو ديني أن يهيمن على الحكومة في العراق».
واضاف : «ومن ثم فهذا يعطي دفعة اضافية لما يقول العراقيون لنا انهم يريدونه.. وهو حكومة وحدة وطنية تضم جميع العناصر المختلفة في المجتمع العراقي».
وأثارت مشاركة العرب السنة في الانتخابات الامل في ان تؤدي العملية السياسية السلمية الى وضع حد لنشاط المسلحين من السنة غير ان انماط التصويت توحي بأن الاقتراع تم على اسس طائفية وليس على أساس برامج سياسية او اقتصادية للمرشحين.
وقد بات التوتر الطائفي المتصاعد واضحا باطراد في الشوارع حيث كثيرا ما تلقى جثث اخترقت رؤوسها اعيرة نارية.
وشوه اتهام كثير من السنة لحكومة الجعفري التي يقودها الشيعة بالتغاضي عن فرق اعدام تعمل ضمن صفوف قوات الامن صورة العراق بعد الحرب التي كان يرجى لها ان تكون نموذجا للديمقراطية في الشرق الاوسط.
واكد سترو ان بريطانيا تعمل على النهوض بالديمقراطية في العراق حيث قتل الآلاف من أفراد قوات الأمن والمدنيين في تفجيرات وحوادث اطلاق للنار.
واضاف : «المجتمع الدولي وخصوصا من قاموا منا بدور في تحرير العراق مهتم... بأن ينعم العراق بالرخاء والاستقرار والديمقراطية».
ووصل سترو الى بغداد الاثنين وسط غضب عراقي بسبب شريط فيديو اذيع في وقت سابق هذا الشهر ويظهر فيه على ما يبدو جنود بريطانيون يضربون شبانا عراقيين في جنوب العراق.
وقال ان الحادث وقع قبل عامين وانه يجري التحقيق فيه مشيرا الى انه كان هناك عدد قليل جدا من مزاعم الانتهاكات بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003.
واضاف : «الآن صار الدليل متوافرا وهناك تحقيق مكثف جدا تجريه الشرطة العسكرية. ان لديهم سجلا طيبا جدا في كونهم صارمين للغاية».
وشاركت قوات بريطانية عام 2003 في الغزو الذي اطاح بالرئيس صدام حسين. وهي ترابط في مدينة البصرة بجنوب العراق.
وقال مسؤولون محليون في البصرة الاسبوع الماضي انهم سيواصلون تعليق العلاقات مع القوات البريطانية في المنطقة بعد اذاعة الشريط.
وأجج غضب العراقيين ايضا نشر صور جديدة تكشف عن تعرض السجناء العراقيين لانتهاكات في سجن ابو غريب الذي تديره الولايات المتحدة.
وقال محافظ كربلاء عقيل الخزالي امس انه اوقف كل صور التعاون مع القوات الاميركية لأن افرادا من القوات الاميركية استخدموا كلابا مدربة الاسبوع الماضي في تفتيش مبان حكومية.
ودافع سترو امس عن القوات البريطانية التي تواجه غضبا بسبب اساءة معاملة مواطنين عراقيين بينما اكد الرئيس العراقي جلال طالباني ضرورة بقاء الجنود البريطانيين الى ان تصبح قوات الأمن العراقية جاهزة لتسلم الأمن.
وقال سترو الذي يزور بغداد للمرة الثالثة في اقل من ثلاثة اشهر، ان اساءة المعاملة تحدث احيانا في دول ديموقراطية على يد قوات الأمن فيها، الا انه اكد ان الجنود البريطانيين المتهمين بارتكاب تلك الاساءات سيعاقبون.
وصرح في مؤتمر صحافي مشترك عقب اجتماع مع الرئيس العراقي جلال طالباني «لا يمكن القضاء كليا على بعض الاساءات من قبل قوات الامن حتى في بلد ديموقراطي، لكن علينا ان نتأكد (...) من معاقبة مرتكبي الاساءات اينما حدثت وهذا ما سيحدث هنا ايضا».
واضاف سترو ان عدد الجنود المشتبه في انهم ارتكبوا تلك الاساءات «قليل جدا» مقارنة مع الجنود البريطانيين الـ (100) الف الذين عملوا في العراق على مدى السنوات الثلاث الماضية.
واكد ان «تحقيقا يجري الآن»، مشيرا الى ان «الجيش يتمتع بسجل يدل على صرامته الشديدة في مثل هذه التحقيقات».
وقال طالباني في مؤتمر صحافي مشترك مع سترو «تحدثنا عن ضرورة بقاء القوات البريطانية في العراق الى ان تصبح القوات الامنية العراقية جاهزة».
واضاف : «حينها سنشكرهم (القوات المتعددة الجنسيات) وخصوصا البريطانيين».
واضاف طالباني ان «وجود القوات المتعددة الجنسيات في البلاد جاء بقرار من الحكومة العراقية ولا يحق لأي من الدول الاقليمية التدخل والمطالبة برحيلها».
واكد ان «للحكومة العراقية وحدها الحق في المطالبة برحيل هذه القوات لكن الأمر متروك حتى اكتمال القدرات الأمنية العراقية»، في اشارة الى تصريحات منوشهر متكي وزير الخارجية الايراني الذي طلب من بيروت رحيل القوات البريطانية عن البصرة فورا.
وجدد سترو التأكيد على ان القوات البريطانية ستبقى في العراق طالما احتاجتها الحكومة العراقية، مؤكدا «نحن فخورون بما قامت به القوات في تحرير العراق خاصة المجتمع الشيعي في الجنوب».
في غضون ذلك واصلت القوائم الفائزة في الانتخابات التشريعية مشاوراتها لتشكيل الحكومة العراقية وانشاء «مجلس الأمن القومي» او «مجلس الحل والعقد» الذي يضم رؤساء القوائم الفائزة في الانتخابات.
وقد عقد ممثلو قائمة التحالف الكردستاني وجبهة التوافق العراقية (السنية) والقائمة العراقية الوطنية التي يتزعمها رئيس الوزراء العراقي السابق اياد علاوي اجتماعا مساء الاثنين في منزل الرئيس جلال طالباني. وحضر الاجتماع مسعود بارزاني رئيس اقليم كردستان والسفير الاميركي في بغداد زلماي خليل زاد.
ونقل بيان من مكتب الرئيس طالباني عن حميد مجيد موسى سكرتير الحزب الشيوعي العراقي وعضو القائمة العراقية الوطنية قوله ان «ممثلي القوائم توصلوا الى مجموعة من الاستنتاجات تتركز حول ضرورة تكثيف اللقاءات وتوسيع اطارها لتشمل جميع القوائم المعنية من اجل انضاج مشروع وطني يسرع في عملية تشكيل الحكومة المقبلة».
واضاف ان «المجتمعين استمعوا الى مقترحات بناءة من قبل التحالف الكردستاني بشأن تشكيل جبهة وطنية لتجميع القوى على أساس مشروع وطني يؤمن خلاص البلاد مما هي عليه الآن من أزمة واختناقات وفتح الطريق لمستقبل لبناء العراق الديموقراطي المنشود».
ونقل البيان عن موسى ان الهدف من اقتراح التحالف الكردستاني هو «تأمين الصيغة المقبولة والشرعية اللازمة لضمان مشاركة من لا يشتركون في حكومة الوحدة الوطنية في تقرير مصائر البلد بالمشاركة في صنع القرار السياسي حول القضايا الإستراتيجية». واكد موسى ان التحالف «لا يريد تجاوز الدستور».
واكد ان الاجتماع «افرد اهتماما خاصا بالأوضاع الأمنية المتوترة في البلد»، موضحا انه تقرر ان «تتخذ الجهات الأمنية الاجراءات اللازمة لتهدئة الأوضاع والعمل على استقرار البلاد وحماية حياة وحرمة المواطن».
وحول اقتراح تشكيل هيئة باسم مجلس الأمن القومي او «مجلس الحل والعقد» يضم رؤساء القوائم الفائزة في الانتخابات التشريعية الماضي، قال موسى ان «البعض يرى ان هذا الاقتراح لا دستوري».
واكد ان «الاجتماع التشاوري بين القوائم الثلاث الذي دعت له قائمة التحالف الكردستاني ما هو الا تمهيد للقاء واسع يضم جميع القوائم وبضمنها قائمة الائتلاف العراقي الموحد».
وأعرب عن الأمل في ان «تفضي هذه الاجتماعات الى نتائج ايجابية بما يخدم العملية الديمقراطية في البلاد».