ابرز السجال الذي دار حول الموازنة خلال الايام القليلة الماضية أن الحاجة ماسة الى تصويب وضع العجز المالي الناتج عن مجموعة كبيرة من التشوهات الاقتصادية والتي من أبرزها الدعم، ولا شك أن الدعم غير الموجه، على النحو الذي نشهده في أسعار المحروقات، والذي يستفيد منه من يستحقه ومن لا يستحقه تعتبر احد أوجه التشوهات الرئيسة في الاقتصاد الوطني.
ومما رشح من طروحات مختلفة لمعالجة القضية أجد نفسي مضطرا لإيضاح بعض النقاط على الوسائل التي تم طرحها لتعويض الفئات متدنية الدخل والتي ستتضرر برفع الدعم أو تحرير أسعار المحروقات. وعلينا أن نتفق بداية أن هذه الفئات المتضررة ليست من مستهلكي البنزين السوبر أو الخالي من رصاص أو حتى البنزين العادي، ومعظمهم من مستهلكي الديزل والكاز والغاز بنسب متفاوتة. بل أن تأثرهم غير المباشر من ارتفاع أسعار تلك المواد اكبر من تأثرهم المباشر به. فكم هو استهلاكهم من المواد الثلاث سواء في التدفئة أو الطبخ، فما يتأثر به هؤلاء هو الأثر غير المباشر لارتفاع أسعار استخدام وسائل النقل، والخبز، والخضروات وغيرها.
ومن هنا أردت ان أشير الى أن أي علاج لقضية الدعم يجب أن يصب في هذا الإطار التحليلي. ولكي أكون أكثر وضوحا، فان معالجة رفع الدعم عن طريق الكوبونات ما هو إلا إدخال تشوه اكبر مما يشكله الدعم وهو باب لسوء الاستغلال ناهيك عن الكلف الإدارية العالية لطابعة الكوبونات وتوزيعها وما يفتح ذلك من مفسدة لا ندري مداها. أما معالجة رفع الدعم عن طريق إعطاء تعويض نقدي لمرة واحدة كما حدث سابقا عند دفع الخمسين دينارا، فما هو إلا حقنة تخدير خلافا لأثارها السلبية والتي تصب في رفع مستوى الطلب بحقن وهمي كبير في فترة واحدة قصيرة، وهذا بحد ذاته له اثر تضخمي في جانب الطلب ناتج عما يسمى بوهم المستهلك ىة م، أما الوسيلة الناجعة في رأيي فهي تنحصر في رفع مستوى الأجور لأصاحب الدخل المحدود والمتدني، بخاصة اؤلئك الذين تقل دخولهم عن 400 دينار، وفي هذا الحل فائدة مباشرة لهم ناهيك أنه وبحسبة بسيطة فان أي زيادة في أجور هؤلاء الأشخاص فان ما لا يقل عن نصف تلك الزيادة ستعود مرة أخرى الى خزينة الدولة.
ذلك أنه بمجرد دخول الزيادة الى الراتب يتم اقتطاع نسبة ضريبة الدخل منها مباشرة ومن المصدر، ثم أن الميل الحدي للاستهلاك لهذه الطبقة مرتفع جدا وعلية فان 5ر16% من هذه الزيادة سيعود للدولة في شكل ضريبة مبيعات وطالما أن كل ما تحصل عليه هذه الفئة تنفقه فان ما تبقى سيحقن في الاقتصاد فيزيد النمو الاقتصادي وتزيد تحصيل الدولة من ضرائب الدخل والمبيعات بفعل اثر المضاعف المعروف في علم الاقتصاد. كل ما هو مطلوب زيادة الأجور في القطاع الخاص والعام والحكومة والتزام الجميع بهذا الحل دون اللجوء الى تشوه الكوبونات أو الدعم النقدي المباشر فكلاهما سيعيدنا الى برامج التصحيح سيئة السمعة التي مررنا بها على مدى خمسة عشر عاما وتخرجنا منها!!!
[email protected]