واشنطن- محمد صادق - بدأت امس محكمة في مقاطعة الكسندريا، احدى ضواحي العاصمة الاميركية واشنطن النظر في قضية احتيال واختلاس متهم فيها شركة للمقاولات تدعى (كستر باتليز ال ال سي) (custer battels llc) اسسها الضابطان في الجيش الاميركي سكوت كستر ومايكل باتيلز عندما كانا في الخدمة العسكرية عام 2002 من التهم الموجهة الى الشركة ومالكيها، الحصول على عقود لتقديم خدمات من العراق بعد سقوط النظام العراقي، ومنها المساعدة في توزيع العملة العراقية الجديدة خلال الاشهر التي تلت سقوط النظام، وعقود لتوفير الامن والحماية لمطار بغداد الدولي. وان الشركة جنت ملايين الدولارات بطرق الاحتيال والسرقة، دون ان تقدم الخدمات كما هو مطلوب منها.
القضية ليست الا البداية، في موضوع مليارات الدولارات «المفقودة» في عملية اعادة اعمار العراق بعد الاحتلال، والتي كان للشركات الاميركية نصيب الاسد منها.
السناتور جوزيف بايدت، العضو البارز في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، اطلق الاحد الماضي تحذيرا طلب فيه من الادارة ان توضح للاميركيين اين ذهب مبلغ تسعة مليارات دولار من الاموال المرصودة لاعمار العراق؟ واين وصلت عملية الاعمار اليوم، حيث لم تتغير احوال العراقيين رغم مرور حوالي ثلاث سنوات؟
مبلغ التسعة مليارات دولارات التي طلب السناتور بايدن معرفة مصيرها، ليس الا جزءا من خمسين مليار دولار ذهبت للمقاولين الاميركيين وشركاتهم الخاصة لتقديم خدمات مثل حماية القواعد وتوفير الطعام والاسكان للجنود، وتنفيذ مشاريع اعمارية، واهدرت تلك المليارات دون رقابة او محاسبة، كما ان الكثير من الشركات التي حصلت على العقود غير مؤهلة، وليست لديها الخبرة لتنفيذ ما حصلت عليه من عقود، بل لجأت الى شركات اخرى لتنفيذ العقود، بمبالغ مضاعفة وتكاليف تبلغ احيانا أربعة اضعاف التكاليف الحقيقية. وفي هذه العملية سرقت واهدرت البلايين من الدولارات، والشركة المتهمة امام القضاء اليوم ليست الا مثالا واحدا على ذلك.
فبعد اشهر قليلة من تأسيس الضابطين لشركتهما، كان الضابط باتيلز في بغداد يوقع على عقد بمبلغ حوالي 17مليون دولار لتوفير الامن في مطار بغداد، وعقد اخر بحوالي عشرة ملايين دولار للمساعدة في نقل العملة العراقية الجديدة، ثم ارتفع المبلغ الى عشرين مليون دولار، حسب اوراق القضية، لكن الشركة لم تقم بالمطلوب منها، بل ضاعت الملايين بل البلايين من الدولارات.
ووصف فرنك ويليس الرجل الثاني في سلطة التحالف التي اقيمت بعد سقوط النظام العراقي برئاسة بول بريمر، ان الوضع في الاشهر الاولى كان في حالة من الفوضى الرهيبة، لا بنوك ولا محاسبة ولا الوسائل.
البنكية المعروفة للتحويل ولا امن ، بل كانت هناك اكداس واكداس من الدولارات من فئة 100 دولار ، وهذه الاموال جزء منها من اموال الاحتياط النفطي العراقي ومساعدات حكومية اميركية ، وكلها تحت تصرف سلطة التحالف وكلما كنا نحتاج الى الاموال يذهب شخص لاحضار الاكياس المملوءة بالاوراق النقدية من فئة 100 دولار وبهذه الطريقة جرى الدفع للشركة المتهمة.
ومن اوراق المحكمة ، كانت الشركة المتهمة « كسترباتيلز» على سبيل مثال للاحتيال والسرقة تقبض ثمن مولد للكهرباء 400 الف دولار مع ان ثمنه الحقيقي لا يزيد عن 74 الف دولار، وثمن الشاحنة الذي لا يزيد عن 240 الف دولار تقبض الشركة مبلغ 600 الف دولار وهكذا وبعد مضي وقت قصير على وصول الضابطين المتقاعدين الى بغداد دون ان يكون معهما اي شيء ، صار لديهما عقود بمائة مليون دولار .
وقال ضابط بريطاني خدم مع قوات التحالف عن عمل شركة كسترباتيلز من المساعدة لنقل العملة النقدية العراقية الجديدة والدولارات كانت تنقل في شاحنات ، ولا تطلب منا الشركة الا نقلها ، دون ان تقدم بعمل شيء اخر للحماية .
وقال يمكن للمرء ان يتخيل شاحنات مفتوحة مليئة بالنقود، انها ليست هدفا للارهابين فحسب وانما للصوص والمجرمين وغيرهم .. وقال ان عمل الشركة لم يكن الا «نكتة » وفي هذه العملية « ضاعت وسرقت وفقدت عشرات ملايين الدولارات .
ما سبق امثلة قليلة من الانتقادات لا للشركة المتهمة فحسب، بل لمجمل عملية الاعمار والشركات المحظوظة التي رست عليها العقود لتنفيذ البرامج والعقود وتقديم الخدمات ، ومنها شركة هوليبرتون التي كان ريتشارد تشيني نائب الرئيس ، رئيسا لها وغيرها من الشركات .
الملاحظ في هذه القضية ان باتيلز الذي خدم ضابطا في الجيش وفي وكالة الاستخبارات المركزية « سي. اي . ايه » كان رشح نفسه في انتخابات مجلس النواب عام 2002 وفشل فيها ، وهو جمهوري وعلى صلة قوية بالبيت الابيض.
وقد صرح بقوله انه ناشط في الحزب الجمهوري وله صلات وثيقة بالبيت الابيض . وهذا ما قد يثير تساؤلات حول قدرته مع شريكه من الحصول على العقود وعبرها على ملايين الدولارات .
ومما تجدر الاشارة اليه ليست الا بداية، قد تفتح الباب واسعا للتحقيق مع العديد من الشركات ومحاكمتها بتهم الاحتيال والاختلاس وتحقيق مكاسب غير مشروعة من العقود التي ابرمتها لتنفيذ مشاريع في اطار عملية اعمار العراق التي حتى اليوم.
وتجدر الاشارة ايضا ان قضايا كبرى وفضائح قد تتفجر اذا تم فتح التحقيق في ملف عائدات النفط العراقي بعد الاحتلال. واين انفقت وما هو مصيرها.
من جهة أخرى توقع مراقبون وبعض المسؤولين في الادارة الاميركية ان يقدم وزير الامن الداخلي مايكل شيرتون استقالته في المستقبل القريب جدا على خلفية ما سيرد في التقرير الذي ستعلنه لجنة في الكونغرس غدا ابو بعده ويتضمن نتائج تحقيقاتها في كارثة اعصار كاترينا ودور الحكومة ومنظماتها في الاستعداد المسبق لمواجهة الاعصار الذي ضرب ولايات الساحل الجنوبي آخر آب الماضي.
واذا صحت التوقعات، وهو الامر المرجح، فان الوزير شريتوف سيكون اول رأس كبير في الادارة يطيح به الاعصار بعد خمسة اشهر من وقوعه.
وحسب ما تسرب من التقرير امس، فانه يتضمن انتقادات حادة، ويحمل الادارة بدءا من الرئيس جورج بوش الى اصغر موظف مسؤولية الفشل والتقصير في الاستعداد لمواجهة الكارثة، رغم علمهم المسبق بالاعصار سيكون غير عادي، وربما كارثي.
ووصغ التقرير دور الادارة في مواجهة الاعصار بأنه كان «فشلا قوميا». ويشير التقرير الى ان البيت الابيض علم بحجم الاعصار قبل وقوعه، ولم يقم بأي اجراءات لمواجهته، كما يحمل التقرير المنظمات والمؤسسات الحكومية الاخرى مسؤولية الفشل في مواجهة الكارثة.
ومن جانبه قال الوزير تشيرتوف في تصريحات امس انه يتحمل المسؤولية الكاملة. لكنه نفى بشدة ان يكون قال في السابق ان وزارة الامن الداخلي التي يرأسها كانت تركز في عملها على محاربة الارهاب، وتجاهلت التحذيرات من كارثة الاعصار. اذ او ان محاربة الارهاب هي مهمته الاولى.
واتهم اعضاء في الكونغرس البيت الابيض بالتقصير بقولهم: ان حالة ضبابية كانت تسود البيت الابيض عشية الاعصار، وان تشيرتوف لم يكلف نفسه عناء الذهاب الى موقع الكارثة في مدينة نيوراورليانز.
الملفت في التقرير وما سيتضمنه، انه تقرير «جمهوري» بامتياز، فأعضاء اللجنة اغلبيتهم من الجمهوريين، وليس للديمقراطيين دور مهم في اعداده، وبالتالي فانه لا يمكن الاتهام بأن التقرير سلاح يستخدمه الديمقراطيون في معركتهم الانتخابية ضد الجمهوريين.
ويكشف التقرير، عن قصور كبير وفشل هائل في اداء الادارة واجهزتها حتى في مواجهة الكارثة بعد وقوعها، وانه حتى اليوم، ورغم مضي خمسة اشهر بالمطلوب منها لمساعدة مئات آلاف منكوبي الاعصار. بل كشفت معلومات ان عمليات نصب واحتيال واختلاس بمئات ملايين الدولارات تمت تحت شعار مواجهة كارثة الاعصار.
واكد هذه المعلومات اعضاء في الكونغرس اطلعوا على تقرير اللجنة. وقال النائب الجمهوري كريستوفر شيز ان التقرير سيتضمن الكثير من المفاجآت، ومنها اختفاء الكثير من الاموال التي ضختها الحكومة لمساعدة المنكوبين.
وقال: انه ورغم حياته السياسية الطويلة في واشنطن لم يقرأ تقريرا مثل التقرير الذي سيطلع عليه الرأي العام قريبا جدا، واعرب عن امله ان تتعلم الحكومة الفدرالية، وحكومات الولايات، ومنظمات الاغاثة والعون درسا مهما من التقرير والكارثة بعدما فقد الناس ثقتهم بالحكومة الفدرالية ودورها.
واضاف: ان ما تضمنه التقرير يبعث على الخيبة والاحباط.
وقال انه سيكون لأعضاء في الكونغرس حوار حوله مع الرئيس (اليوم) وان ما سيطرحه هو اعلان الخيبة من دور وزارة الامن الداخلي التي انشأها الرئيس لتكون عاملا مساعدا لكنها اثبتت «فشلها».