كنت تتهيب كل شئ حولك ،بوابة الجامعة ذات القباب العالية، وقاعات المحاضرات ، والمكتبة، وكل شئ يثير استغراب القروي البسيط الذي داخلك في أيامه الأولى في الجامعة حتى سخانات الشاي الكبيرة في الكافتيريا، انت تهب على دنياك الجديدة دفعة واحدة، ولم تكن تحلم - مجرد حلم _الوصول الى هذا العالم السحري الأنيق.
تبحث عن بدو مثلك يفهمون عليك وتفهم عليهم، وحين تتعرف على واحد منهم من كلية أخرى، تتبادلان البوح والوجوم ، وتتهامسان في ركن من اركان الكافتيريا بالأسرار الحامضة الأولى، وتقرأ له بشئ من الزهو قصيدة من قصائدك ، فيغمرك الرضا حين يستمتع رفيقك ثم تتسع الحلقة حولك وحوله لتضم بدوا كثيرين يعترفون بشاعريتك وينافحون _ ان لزم الأمر- عنها .
تتردد كثيرا ، قبل ان تبدي رأيا في المحاضرة ،او تطرح سؤالا ، لأنك لم تكن تتهيب شيئا في عالمك الجديد اكثر من الأستاذ ،تخاف أن يزدري ملاحظتك أو يهمل سؤالك إن مجرد ذلك لو حدث _ لا قدر الله - كفيل بأن ينقض على زهوك ويطوح احلامك كلها.
في الأيام الأولى يخبرك أحدهم عن النادي الأدبي في شؤون الطلبة فتطمئن روحك للنادي وانت تعرف ان الكلمة الفصل فيه للقصيدة وهي الورقة الرابحة التي ستزيد عالمك الجديد جمالا وسحرا ، فتذهب الى النادي مندفعا ،ومعك اعتراف البدو بشاعريتك ، وحماسهم لك، وهي فرحة ما بعدها فرحة ، تغمرك وتغمرهم بعد شهور حين تفوز بجائزة الشعر من النادي الأدبي في الجامعة .
تستأنف رحلة العمر كلها بعد ذلك مع هذا الإمتياز القاسي امتياز الشعر تستأنف الرحلة مع «الدمع الموزون المقفى» وتدرك أنه الرفيق والناي والرغيف والأب والقبيلة واللحاف والحزن.
ماذا تريد أكثر من هذا من نعم الله ، الجامعة والنادي الأدبي والجائزه وزهو البدو ومناسبات وطنية كثيرة تصغي لرنين قصائدك ايها القروي ماذا تريد اكثر من هذا ؟