محمد ضمرة .. المأزوم والماضي الناقص عنوان جديد للرواية الثالثة ليوسف الابطح والصادرة عن اتحاد الكتاب العرب في دمشق، وقد سبق هذه الرواية «حكاية حب دمشقية»، وكذلك رواية ديب الابرش او ملحمة وجود وكينونة.
ومنذ مطالعة العنوان الرئيس للرواية وللعنوانين السابقين، نتلمس ان الراوي يحاول شرح العنوان الاول بجملة دالة على العنوان الاول ولكنها مخالفة له في الصورة المرئية، فمثلا بالنسبة لروايته الاولى الكبار وضع جملة مقوسة بجانب العنوان تحمل «حكاية حب دمشقية» وكذلك بالنسبة للرواية الثانية التي اطلق عليها ديب الابرش ثم جاء بجملة شارحة للعنوان وقدسها حول «ملحمة وجود وكينونة».
ولا شك ان عنوان العمل الادبي ايا كان جنسه شعرا او رواية او قصة او مسرحية له من الدلالات التي تشير الى موضوع المنتج الابداعي.
ف«المأزوم» كما هو واضح له دلالة نفسية تحيله الى حال غير طبيعية، وكلما حاول الخروج من تلك الحالة وجد نفسه في وضع اكثر سوءا، ومفردة المأزوم مشتقة من تأزم وهذه المفردة لا تعطي مفهوما واضحا الا اذا اقترنت بشيء، اي لا بد لها من فاعل، فيقال تأزم الرجل، او تأزم الموقف، وهكذا.
والغريب ان هذا الفعل لا يقوم بعمله الا اذا بفاعله، وكأن الفاعل هو الذي فعل هذا التأزم مع ان الحقيقة غير ذلك تماما فالازمة تكون في داخل الشخص او واقعة عليه، ولا يكون هو سببا في حدوثها.
واما العنوان الشارح الذي اضافه المؤلف فلم يزد العنوان ايضاحا، بل وضعتا امام شبكة من المعلومات الموحية بدلالات متنوعة وربما متفاوتة في الدلالة، والشيء الجديد في هذا التزاوج بين مفردتين هما الماضي وصفته الدالة على النقصان.
ومع ان الروايات غالبا ما تقدم نفسها الا ان المؤلف قدم لروايته د.ماجد ابو ماضي الذي اشار ان الروائي يتسم بسمو خياله المنطلق من الواقع والمصور للاصول والمنابع.
وازمة الخروج من فلسطين عام 48 كتبت من قبل الكثير من الروائيين، وقد كتبها كل روائي من زاوية نظر خاصة وحسب تجربته الشخصية التي مر بها معانيا او حسب ما قرأه وسمعه من الآخرين.
ولم تأت رواية من هذه الروايات مشابهة لغيرها الى بعض المضامين، والمهم اسلوب الروائي وطريقة سرده ونظرته الخاصة.
ويوسف الابطح في روايته هذه المأزوم يصور بطل الرواية منذ طفولته الى نهاية عمره تقريبا اي ان زمن الرواية طويل جدا ولذلك احتشدت الرواية بكثير من الاحداث وقد تمثلت هذه الاحداث المسرودة في مشاهد منفصلة احيانا حتى تبلغ مرحلة الاستقلالية في كل مشهد عن غيره الا ان حلقات الرواية رشيقة ومتنوعة في موضوعاتها والمخيم هو البؤرة الرئيسة التي انطلق منها الروائي مصورا معاناة المقيمين في هذه المخيمات التي اعدت مؤقتا لايواء اللاجئين، وقد وصف المؤلف سراديب المخيم وسكانه وعلاقاتهم والمدارس والمعلمين والطلاب وتكلم باسهاب عن هذه العلاقات، ثم زواج الشخصية الرئيسية تقليديا وشعوره بعدم التلائم والاتفاق ثم خروجه الى الكويت، وهنا لا بد من الاشارة الى ان اكثر الروايات لتي تكلمت عن معاناة الفلسطينيين في مخيماتهم اتخذت من السفر الى الكويت بطريقة مشروعة او غير مشروعة سببا رئيسا في تطور نمط الحياة الاجتماعية ابتداء من رواية غسان كنفاني «رجال تحت الشمس» وكذلك فاننا نتلمس معاناة الشخص في المدينة الذهبية التي تهب الحياة لمن يريدها لكنه هناك سرعان ما يقع تحت مطارق الاغتراب والمعاناة الجديدة في البحث عن عمل او المبيت في الورشات الخاوية او على الارصفة.
والملفت في رواية الابطح ان الراوي يعتمد كثيرا على الحظ لشخوصه وخاصة بطل الرواية، حيث يجعل من القدر عاملا مؤثرا وفاعلا ومنقذا فكلما تأزم الموقف نرى الظروف او المصادفات هي التي تخرج البطل من ورطته، وحتى حينما حانت فرصة خروجه من الازمة التي ألمت به في مدينة الكويت، وحينما يذهب الى احدى الشقق فانه يطرق باب الشقة المقابلة للشقة المطلوبة عن طريق الخطأ، وهذا الخطأ يلقي به الى احضان السعادة التي تنقله الى ساحات «الف ليلة وليلة» ويتم زواجه من انسانة كانت كأنها على موعد مع القدر، هذه الزوجة التي اخرجته الى فترة طويلة من حياته المأزومة الا ان الازمة المتفلتة تنقله الى ازمة جديدة، حيث سيكون بين زوجتين ولو ان كل واحدة منهما تعيش في مكانين منفصلين اي في دولتين، ثم يتم اللقاء فيما بينهما، ويظهر المؤلف مدى قساوة المرأة الاولى ومدى محبة الاخرى.
ثم يتطرق المؤلف الى الموقف السياسي والنضالي وينظر اليه من زاوية خاصة، ولا شك ان الراوي قد اعتمد بشكل مباشر على السرد واظهر موقفه بدون حيادية، فالكاتب الشخص هو الراوي نفسه.
والرواية بمجملها تستحق القراءة لانها تؤرخ لمرحلة دقيقة في التاريخ الاجتماعي والنضالي وتؤشر على مرحلة لا بد من التوقف امام حالاتها للاستفادة من تأثيراتها السلبية والخروج من هذه السلبيات الى طريق الايجاب.
واتفق مع ادوارد سعيد حين قال على كل فسلطيني ان يروي حكايته، فمجموع هذه الحكايات هي التي تعطي صورة كلية لما حدث.