اندلعت بيني وبين زوجتي معركة صامته في الايام الاخيرة سببها التعارض بين مفهومي من الحرية وبين مقتضيات النظافة وتحديداً نظافة المطبخ بالنسبة لزوجتي.
اما موضوع المعركة او سببها - اذا شئت - فهو اننا اختلفنا على المكان الذي يجب ان يوضع فيه «قفص العصافير» في البيت ... وكنت قد اشتريت في الاسبوع الماضي اثنين من «عصافير الحب» مع قفصهما من احد باعة العصافير . هدية لابنتي الصغرى بسبب تفوقها في دراساتها بعد ظهور النتائج النهائية للعام الدراسي الحالي.
وكنت قد جسست نبضها بخصوص الهدية سائلاً اياها فيما اذا كانت الهدية مناسبة لها. اذ خطر ببالي انها ربما لا تحب العصافير، مثلاً او انها ترغب في هدية اخرى. ولكنها اومأت برأسها ايماءه صغيرة اوستوقراطية دلالة الموافقة ... كأنها اميرة او برنسيسه.. تلك الشقية الساحرة.
قل اشترينا العصفورين مع القفص، ومنذ الليلة الاولى رأيت ان افضل مكان للقفص هو ان يكون ملاحقا لنافذة المطبخ من الجهة الغربية حيث يفتح المنظر على بستان شاسع لاشجار الزيتون والذي هو افضل ملعب للعصافير والطيور... وقدرت ان احساس العصفورين بوجود عصافير اخرى قريبة سيكون مبعث سرور لهما... وخاصة للانثى ذات الريش الازرق... حيث لاحظت انها قوية وذات صوت خشن فيه ما يومىء انها طائر مفترس لا يمانع في اكل اللحوم النيئة... اما رفيقها ذو الريش الاخضر فبدا حزينا محبطاً شبه مستسلم كعاشق انه ايقن انه انفصل عن محبوبته مرة والى الابد.
فهل كانت حبيبته احدى الاناث من طيور الحب حيث يحشر البائع عشرات منها في قفص كبير ويتركها في الظلمة طوال الليل... والا فما سبب كل هذه الكآبة والانكسار؟!
وجدت اذن ان وضع القفص قرب النافذة المطله على بستان الزيتون افضل مكان للعصفورين حيث يمكن ان يتلقيا ثقافة عصافيرية جديدة تملؤها نسمات الهواء المنعش وتغريد الطيور وزقزقة العصافير... بعيداً عن ثقافة الازدحام... والهواء الفاسد في قفصها السابق.
اردت اذن ان اعيد برمجة العصفورين ليصبحا افضل واجمل - وفكرت دون ان اصارح احداً ي البيت - بأنني قد اتمكن ذات يوم من اعدادهما ليصبحا مؤهلين للخروج من القفص والطيران ملتحقين بالطيور والعصافير الاخرى في البستان الواسع. لكنني لم اجد الشجاعة الكافية لاني ادركت انني ربما احاول المستحيل، فكيف يمكن اقناع اي كائن طائراً او انساناً ان يصاب بالحرية اذا كان ولد في قفص وعاش في قفص... وبالتالي امضى كل حياته في قفص؟!
كيف يمكن التأثير على هذا الكائن - عصفوراً كان او انساناً يجرب مجرد تجريب، ومن باب الفضول في اضعف الحالات. لذة الحرية؟
وضمن هذه الاستراتيجية ، استراتيجية تحرير العصفورين سارت الامور في الايام الاولى على افضل وجه، وبدا التحسن واضحاً عليهما وخاصة على الذكر الذي فارقه حزنه وانكساره منتقلاً الى حالة اخرى مختلفة بحيث ضبطته ذات مرة وهو يتبادل القبلات بالمناقير مع زميلته الزرقاء - اما هذه فقد رق صوتها وبدا ليناً وقريباً من اصوات الطيور السعيدة...
وعندما كنت افتح الشباك في الصباح الباكر مفسحاً المجال لنسيم الصباح المنعش ان يغمر العصفورين كانا ينفشان ريشهما ويفردان اجنحتهما كأنما يهمان بالطيران... لكنني كنت ادرك ان التوجه الى الحرية شيء وان تحققها شيء آخر .
لكنني كنت عازماً على المضي في هذه المهمة الى النهاية.
ولكن وبعد ان قطعت خطوات مهمة على طريق التحرير ، هنا وفي هذه اللحظة تدخلت زوجتي العزيزة وتوجهت الى القفص بغضب وحملته بعصبية ناقلة اياه من منصة الاعداد للحرية الذي اعددته لهما الى خارج البيت قرب الدرج في مكان لا يكاد يصله هواء او ضوء ، صارخة بأن العصفورين مزعجان وانهما يصابان بالجنون احياناً بحيث ينثران الحب والماء خارج القفص وتساءلت بدهشة كيف يفعلان ذلك واضافت بانهما يوسخان المكان فعلاً - وانها لذلك غير مستعدة لمهمة تنظيف جديدة تضاف الى مهماتها الاخرى قائلة باستنكار «بعد ناقصني».
ولما كنت اعرف انها تمر بمرحلة صعبة بسبب ضغوط كثيرة استجدت منذ بعض الوقت، فإنني لم احاول الاصطدام بها موثراً ان اعالج الامر بحيث اوفق بين احتجاج زوجتي المشروع والمعقول وبين طموحي غير المعلن لتحرير السجينين واطلاق سراحهما.
اغافل زوجتي في الصباح الباكر حيث يكون من في البيت نائمين باستثنائي . واقرب القفص من مكانه قرب الدرج المعتم الى منصة الاعداد للحرية قرب نافذة المطبخ... ولا تزال المعركة مستمرة!