يعيش الجيش الأميركي هذه الأيام حالة من الإحباط. فبعدما تقلصت نسبة التجنيد بين صفوفه في الشهر المنصرم إلى 25% وهي دون الأهداف المحددة، يقوم الجيش حاليا برفع العلاوات إلى 40 ألف دولار والتخفيف من المعايير الصارمة في قبول الجنود. والآن يقول لك «العم السام» مرحبا بك في الجيش حتى لو اقترفت جنحة بسيطة، أو لو لم تكن لديك شهادة الثانوية العامة.
وبالرغم من أن سلوك هذا الطريق قد يؤدي إلى إضعاف إحدى أفضل القوات المسلحة في التاريخ الأميركي، إلا أن الخيارات تبقى ضئيلة. فمع استمرار العمليات القتالية في العراق وتوفر العديد من الوظائف داخل أميركا لم يعد هناك ما يكفي من المتطوعين في صفوف الجيش. وإذا كان إلى حد الآن قد تم تفادي الوقوع في أزمة حقيقية ناتجة عن النقص الحاد في المجندين، فإن ذلك راجع أساسا إلى تمديد فترات الجنود وتجاوز موعد تسريحهم من مهامهم. والجدير بالذكر أن إبقاء المزيد من الجنود الأميركيين في أماكن خارج البلاد سيصعب مهمة استقطاب متطوعين جدد. وللخروج من أزمة التجنيد يبرز أمامنا حلان، يتمثل الأول في الانسحاب من العراق، أما الثاني فيقترح سن قانون جديد يتبنى معايير غير حازمة في تجنيد المتطوعين. غير أن كلا الحلين خاطئ فمن شأن الأول أن يمنح النصر للإرهابيين ويضرب بعرض الحائط كل التضحيات التي بذلها 1700 جندي أميركي قضوا في ميدان المعركة. أما الثاني فمن شأنه أن يضعف من المواصفات العالية التي عادة ما تتميز بها قوات المتطوعين. وبعدما قمت بمراجعة كافة الحلول الممكنة فإنني لا أرى أفضل من ذلك الذي سبق وأن اقترحته في مقال سابق ويفيد بتوسيع قاعدة التجنيد لتضم أفراداً خارج فئة المواطنين الأميركيين أو المهاجرين الدائمين الذين هم في وضعية شرعية. وقد تم بالفعل اقتراح بعض التشريعات التي تسير بخطى وئيدة في هذا الاتجاه.
ولهذا الغرض طُرح مشروع قانون «التنمية والإغاثة والتعليم الخاص بالأحداث الأجانب» الموجه إلى أطفال المهاجرين الذين لم يولدوا في الولايات المتحدة، لكنهم أقاموا فيها لأكثر من خمس سنوات دون الحصول على الجنسية. ويتيح القانون لهؤلاء الأطفال فرصة تسوية وضعهم القانوني والتأهل للحصول على الجنسية إذا هم تخرجوا من الثانوية العامة ولم يخرقوا القانون أو إذا ما خدموا سنتين في الجيش الأميركي. وبالرغم من أن هذا القانون الذي اقترحه السيناتور «أورين هاتش» من ولاية يوتاه في السنة الماضية دعمه 48 من أعضاء الكونجرس، إلا أنه فشل في الحصول على الموافقة.
ولا شك أن قانون «التنمية والإغاثة والتعليم الخاص بالأحداث الأجانب» يعتبر فكرة رائدة. وأنا أقترح أن نذهب أكثر من ذلك بمنح الجنسية لأي شخص في أي مكان في العالم مستعد لأن يخدم لمدة معينة في الجيش الأميركي. وفي هذا الصدد يمكننا أن ننشئ فيلق الحرية على شاكلة الفيلق الأجنبي الفرنسي، أو السماح للأجانب بالانضمام إلى الوحدات النظامية بعد تلقيهم دروساً في اللغة الإنجليزية. ولازلت أذكر أنني عندما تقدمت بهذا الاقتراح لأول مرة تلقيت العديد من الردود الإيجابية، ولكنني تعرضت كذلك لنقد لاذع. فقد كتب إليَّ رقيب متقاعد في الجيش الأميركي من هيوستن يقول «هل جننت؟ إن آخر شيء نحتاجه في جيشنا هو مجموعة من المهاجرين غير الشرعيين ليشاركوا في القتال نيابة عن بلد لا تربطهم به أية صلات ثقافية». لكنني أعتقد أنه لا توجد وسيلة لنسج تلك الصلات أفضل مما يوفره الجيش من تدريب وانضباط. ولقد كان دائما المدربون في الجيش منذ عهد الإمبراطورية الرومانية يصهرون عناصر متباينة في وحدات متماسكة مستعدة لخوض الحروب.
وبالرجوع إلى التاريخ فقد تشكل الجيش الأميركي في الماضي من الأجانب أكثر مما هو عليه الحال الآن (في الحرب الأهلية كان المهاجرون يشكلون 20% من القوات، أما الآن فإن تلك النسبة تقلصت إلى 7%). وإذا نظرنا إلى باقي الجيوش فنجد أن الجيش البريطاني استعان بخدمات أفراد من غير المواطنين. ولعل أبرز مثال على ذلك هم النيباليون الذين مازالوا يقاتلون ويموتون من أجل بريطانيا بالرغم من انتفاء عنصر الترابط الثقافي، ولا أدري لماذا لا يمكنهم القيام بذلك لخدمة العلم الأميركي. وأثارت بعض الردود التي وردت إليَّ الخطر الذي يشكله المرتزقة واحتمال تسببهم في سقوط أميركا كما تسببوا في سقوط الإمبراطورية الرومانية في الماضي. غير أن تلك النظرة تنم عن قراءة خاطئة للتاريخ الروماني فكما يشير المؤرخ فيكتور دافيس هانسون «كانت معظم الفيالق الرومانية في القرن الأول بعد الميلاد تتشكل من عناصر أجنبية، ورغم ذلك استمرت الإمبراطورية في الحياة لمدة خمسة قرون أخرى». وكل ما أتمناه أن يدوم السلام الأميركي ولو نصف تلك الفترة.
ويرى بعض النقاد أنه من المشين أن نطلب من الأجانب أن يتعرضوا للمخاطر التي يرفض المواطنون الأميركيون مواجهتها، لكن الحروب تكون دائما غير عادلة. وإذا لم نقم بسن قانون كوني يشمل التجنيد لكل من يرغب في ذلك، فإنه سيكون هناك دائما من يواجه المخاطر أكثر من الآخرين. بالإضافة إلى ذلك فإن الولايات المتحدة تستخدم مسبقا قوات من المرتزقة. فنحن نعتمد على عشرات الآلاف من المتعاقدين في العراق وكمبوديا وأماكن أخرى يشكل الأجانب نسبة كبيرة منهم.
ويبقى السؤال هل يمكن للأجانب أن يحاربوا من أجل «العم سام»؟ لمَ لا. يوجد هناك العديد من الناس يتوقون للقدوم إلى أميركا. ويبدو أن خدمتهم في الجيش الأميركي لفترة من الزمن لتحقيق ذلك ليست بالثمن الباهظ. وعلى كل حال لا يوجد بديل آخر سوى رفع العلاوات لتصل إلى 100 ألف دولار أو تجنيد المجرمين.