ان الزيارة الى مدينة الكرك تعتبر زيارة الى تاريخ الشام بأكمله من المؤابيين الى الانباط الى البابليين وحتى الى التاريخ الاسلامي أكمله ففي كل حجر من قلعة الكرك هناك قصة طويلة عن معركة اسلامية او عن استشهاد بطل اسلامي وعبر هذه القلعة تطور أردننا من أيام الدولة التركية الى عهدنا هذا اليوم وعبر الانطلاق في الطريق الصحراوي نبدأ باستعادة ذكريات الثورة العربية الكبرى التي انطلق المحررون منها عبر هذا الطريق وما أن تجتاز القطرانة وتدخل الى حدود مدينة الكرك فيمتلئ صدرك برائحة التربة الحمراء الكركية الممزوجة بنكهة الجميد الكركي. وتستقبلك عروس الجنوب بقرى الشمال التي تشكل هيئة اليد الملوحة لكل الضيوف القادمين من أي مكان وتتشكل هذه القرى المكونة من القصر وادر والربة وعون يد عروس حقيقية منقوشة بالحناء الكركية من تلك التربة الحمراء النادرة في صحراء الجنوب. وبعد قليل تقف مذهولا أمام قلعة الكرك التي تزين تلك المدينة بحجارها الوردية وتظهر على رؤوس جبالها العالية كتاج ملوكي. وبعد دخولك تواجهك قلادة مرصعة بالجواهر حيث البناء الحديث الهندسي والتربة الأصيلة وهي منطقة المرج التي غيرت اراء كثير من الناس الذين كانوا يظنون ان عمان هي الوحيدة التي تتباهى بتلك البنايات و'الفلل' الفاخرة لتريهم الكرك روعة البناء فيها ومن ثم تجذبك الطريق دون ارادتك نحو مؤتة حيث المكرمة الهاشمية جامعة مؤتة التي انعشت تلك الارض بعلومها الزاخرة وعلى بعد 3 كم يوجد المزار عبر ضريح سيدنا جعفر بن ابي طالب أول شهيد هاشمي سقط دفاعا عن هذه الارض وسقاها من دمه الطاهر الشريف وبجانبه أخواه سيدنا عبدالله بن ابي رواحة وسيدنا زيد بن الحارثة. من تلك التربة انتشر الاسلام الى الشام كافة وبعدها تأخذك الطريق الى لواء عي حيث قلب الكرك النابض الذي يضخ لها زيت الزيتون والتين والفواكه. تستقبلك عي بلوحة ساحرة تظهر من اعلى اي بيت فيها حيث ترى غور الاردن ومن ورائه البحر الميت بأمواجه الزرقاء وتظلله من الخلف جبال الخليل تلوح من بعد بين افق الغيوم. ولكن مع جمال هذا المنظر من سطوح عي فان الدخول الى بيوتها اجمل حيث أول ما يستقبلك في البيت غرفة الديوانية التي يستقبل فيها الضيف وتعتبر الديوانية غرفة اي اردني يستضاف في عي، وتحوي هذه الغرفة تراث الكرم والاصالة ومحادثة الضيف حيث يجلس معك الحاج عبيد الله ليكلمك عن تاريخ المنطقة والعشيرة وعلى يساره مكان يسمى' بالحوش' يلم غرف العائلة بعضها ببعض فتجلس فيه الجدة «نوضة» تشرف على حركة الاولاد والاحفاد. في عي تسمع سيمفونية عيون الماء الحزينة التي كانت قبل سنين ينابيع قوية يشرب منها السكان وتسقي سالقصايل' وما زالت ممرات الماء من تلك الينابيع. ظاهرة لتذكرنا بأيام الينابيع ولقد حالفني الحظ ان شربت في يوم واحد عشرين كوبا من الشاي من تلك المياه ولم اكتف لان طعم الشاي في عي له نكهة الاصالة الكركية ولذة المياه المعدنية