مريم ريان - من بين كل الشباب (رجالا ونساء) الدين تحدثنا اليهم، لم نجد ايا من هذه الفئة العاملة يحصل على راتب يكفيه حتى نهاية الشهر، سواء كان موظفا في الحكومة او في القطاع الخاص متزوجا او اعزبا. الكل يركض مرهقا يشكو، ويحاول ان يجعل راتبه يغطي اطول مدة من شهر الوظيفة الطويل. بعضهم يكفيه راتبه فقط عشرة ايام وافضلهم في هذا المجال من لا يبدأ الاستدانة والاقتراض قبل الخامس والعشرين من كل شهر، معظمهم يعمل او يبحث عن عمل اضافي لكن دورة الحياة الاستهلاكية تتسارع وتتوسع، وتبقى حياة الشباب تراوح بين الطموحات العريضة والامكانيات المحدودة.
(الروتين الحكومي قاتل )
المهندس خلدون جمال حمارشة يعمل في مجال الكهرباء. درس في اليونان وعمره الآن ( 41) سنه بدأ عمله بعد التخرج مباشرة راتبه اليوم يصل الى ( 700 ) دينار شهرياً وهو متزوج ولديه ( 4 ) أولاد وعندما سألناه متى ينفذ ما في جيبك بعد استلام الراتب ؟
أجاب حمارشة : يكفيني راتبي حتى يوم 25 من الشهر فأنا لدي مصاريف كثيرة للأولاد والسيارة والنزهات. أود لو يكون راتبي( 1000) دينار وبذلك لن اكون مضطر اً للعمل الإضافي.
ومثل الكثيرين فقد بدأ حمارشه حياته بالاعتماد على نفسه. فعمل في مصانع للفلاتر بالزرقاء بعد التخرج دون راتب. امضى هناك سنتين ترك العمل وراتبه ( 300 ) دينار وانتقل بعد ذلك الى سحاب في مصنع للبطانيات الكورية وبقي يعمل حتى سنه (2000) حيث وصل راتبه لـ(470 ) ديناراً وكانت ظروفه صعبة فكان عليه إيجار بيت ومصروف سيارة وآخر شخصي وقرض لبناء البيت بالإضافة لعائلة وبهذا غطته الديون وقد اثر ذلك على نفسيته فساعات العمل كانت طويلة جداً دون مردود كاف.
حمارشة قال انه بعد خصخصة الشركات استفاد هو ايضا من ذلك. فقد ترك المصنع وانتقل للعمل بالمقاولات وكان هذا عام 2001 حيث اصبح وضعه الاقتصادي افضل.
سئل عن عدم عمله في الحكومة اجاب «إن ترتيبي في ديوان الخدمة الثالث او الرابع يعني من المفروض ان اكون في الحكومة ولكن اذا جاءتني الفرصة لن اقبل بها لان راتب الحكومة قليل ويؤثر العمل في هذا القطاع سلباً على التفكير فالروتين الحكومي قاتل ومع كثرة الموظفين وكثرة المحسوبيات وعدم وجود الرجل المناسب في المكان المناسب فاننا نعمل في غير تخصصنا والخبرة تكون قليلة وذلك بسبب التسيب من الدوام يعني بالعامية (الموظف بيمزط من دوامه كثير ) وللاسف يسد الموظف مكان زميله للتغطيه عليه.
ينظر الحمارشة الى المستقبل فيرى ابناءه يكبرون امام عينه. ويرى في ابنته شيماء ما يدفعه للعمل الجاد لتامين دراستها في المستقبل نظراً لذكائها وتحصيلها العالي وهو لايهتم اذا قررت ان تدرس في الخارج فهو يعمل من اجلها ومن اجل اخوتها.
ويرى الحمارشه بتفكيره الجاد بانه سيبدأ العمل على مشروع خاص به. فهو يعمل عند الاخرين لكسب الخبره وتكوين علاقات عندما يكون هو المسؤول سيعطي موظفيه حقوقهم وما يستحقونه فهو لن يكرر الذي حدث له مع الاخرين.
ووجه كلمته للشباب بان يبذلوا مجهودهم في التعليم والعمل وان الانسان لابد ان يحصد ثمار ما زرعه.
«الاكتفاء الذاتي حلم»
كذلك يرى محمد عوكل وعمره ( 22 ) سنة ان عمله كموظف صف الكتروني لم يؤثر على دراسته بل على العكس فقد خلق العمل منه شخصية مسؤولة يعتمد على نفسه بل ويود ان يبني مستقبله دون الحاجة الى احد.
قال عوكل: راتبي 110 دنانير وانا غير متزوج وبرغم ان راتبي ينتهي بعد 17 يوم من استلامه الا انني اخطط للعمل في مطعم في المساء لتحسين دخلي. فانا اقترض من المكتب الذي اعمل به واحياناً اخذ من المقربين واود ان اصل الى مرحلة اغطي فيها مصاريفي دون الحاجة لاحد.
رغم كل الصعاب التي تواجه عوكل وهو يصرف ( 50 ) ديناراً على اقساط الكلية و( 30) ديناراً مواصلات و( 30 ) اخرى مصروفا شخصيا الا انه احياناً يساعد عائلته فمثلا يدفع فواتير الكهرباء ويتمنى لو كان راتبه فقط( 150 )ديناراً في هذه الفترة حتى يكفي نفسه.
ويؤكد عوكل انه سيكرر مع ابنائه معاملة ابيه له وجعله يعتمد على نفسه. ورغم انه سيحاول توفير حياة مريحة لابنائه في المستقبل الا انه سيجعلهم في ذات الوقت يعتمدون على انفسهم فهو قد بدأ العمل وهو في 18 من عمره ويقول في ذلك «أود ان اعمل وانا صغير لارتاح عندما اكبر».
ويوجه محمد عوكل كلمته الى الطلاب وينصحهم بالعمل والكد سواء في الدراسة او العمل وان يمحوا من عقولهم فكرة انهم لا يستطيعون التوفيق بين العمل والدراسة فالعمل زاد من إحساسه مع اهله بالمسؤولية وزاد من عمق تفكيره ولم يعد يهتم بتوافه الامور من موضة وانغماس في الملذات فهو يرتقي في اسلوب تفكيره ويقوي من عزيمته حتى يجابه الحياة بقوة ويتكيف معها ويسعد فيها.
* «نظرة قاتمة»
ولا ينظر خلدون الازايده / موظف علاقات عامه من نفس المنظار المشرق الذي تحدث من خلاله عوكل. فرغم انه لم يكمل ال33 عاماً الا انه يتحدث عن الفقر وكأنه آفة تصيب حتى من نعتبرهم من أصحاب الدخل المتوسط.
يقول الازايدة راتبي ( 300 ) دينار وعندي 3 اولاد وبعد 25 يومة من استلام الراتب لا أجد منه شيئاً وأبدأ بالاقتراض من حولي.. انا اود ان يكون راتبي ( 500 ) دينار حتى أتجاوز خط الفقر الذي تتحدث عنه الحكومة.
ويناشد الازايدة المسؤولين بالحكومة بالقضاء على المحسوبية والترهل الاداري وان يصلحوا البيت الداخلي ومن ثم المجتمع باسره. ويصف ضعف الحكومة وعدم ضبط الامور بأنه سبب ما نعانيه من تفشي ظاهرة الفقر وعدم الحصول على لقمة العيش. واضاف ان المناداة بالتنمية السياسية والاقتصادية انما هي شعارات الافضل استبدالها بتنمية لقمة العيش.
الازايدة مثل غيره يود تأمين مستقبل اولاده وتوفير حياه كريمة لهم ولكنه يعترف بأنه لن يستطيع تعليمهم وان عليهم الاعتماد الكامل على انفسهم. فكما يقول انه بدأ عمله وهو في 18 من عمره رغم الصعوبات الا ان الأبناء سيذللونها ويتقدمون الى الامام.
* «الكماليات أصبحت أساسيات في حياتنا»
فاتن عوده / موظفة في الاتصالات ترى انها وبرغم حرصها على ضبط مصروفاتها الا انه وفي كل شهر تجد نفسها من غير نقود قبل انتهاء الشهر بـ 5 ايام وتضطر للاقتراض فهي دائماً مديونه.
عودة والتي لا يتجاوز عمرها ( 26 ) عاما تكافح في هذه الحياه من اجل تامين مصروفها الجامعي والشخصي وتود لو ان راتبها يصل الى ( 600 ) دينار فهي ترى ان الكماليات اصبحت اليوم اساسيات في حياتنا العصرية ، وترى ان راتبها يعتبر جيدا بالنسبة لمعدلات الدخل العامة على حد تعبيرها ولكن مهما كان دخل الشخص في رأيها فانه يريد المزيد.
وبرغم ان عودة غير مرتبطة الا ان التزاماتها كثيرة. تقول :' راتبي يصل الى 240 دينارا بعد الخصومات الا انني ادفع قرضا للبنك( 110 ) دنانير شهرياً وكذلك انفق على جامعتي ويبقى جزء بسيط مصروفاً شخصياً».
* «مع عمل المراة.. ولكن»
فاديه حجازين /سكرتيره ، تبلغ من العمر 29 عاماً وهي متزوجه وام لثلاثة اولاد. تقول بانها تعمل هي وزوجها لتأمين حياه كريمة.. وراتبها ينتهي بعد 10 ايام من مرور الشهر فمبلغ ( 190) ديناراً تنفقه على نفسها ومواصلاتها وبعض المصاريف المشتركة مثل قرض البيت وتعليم ابنها الذي يدرس في مدرسة خاصة.
اشارت حجازين الى انها بدأت العمل وهي في (20 ) من عمرها وكانت حينذاك ما زالت في بيت ذويها وانها اضطرت للعمل بعد الزواج. فهي ترى ان العمل للمرأة المسؤولة عن بيت يأخذ من صحتها وعلى حساب اولادها وبيتها. تقول حجازين:' انا مع عمل المراة ولكنها في النهاية هي التي تتعب وترهق اعصابها».
اضافت فادية ان للنقود دوراً اساسياً في حياة الافراد. فالرفاهية تزيد من سعادة العائلة ولكنها تحتاج الى مصروف اضافي وبرايها انه كلما زاد الدخل تزيد المصاريف وينفق المتبقي على الرفاهية ولن يكون هناك مجال للتوفير.
تدعو حجازين الشباب الى الشعور بقيمة العمل واهمية الدراسة فالانسان برايها بدون تعليم لن يكون له مستقبل ولن يحصل على الفرصة التي ننتظرها جميعاً ونتمنى انتهازها قبل ان تفلت من بين ايدينا.
* «رواتب تناسب غلاء المعيشة»
ويقترح محمد عدنان الخطيب / موظف مساعدة الشباب بالحصول على عمل وتامين رواتب تناسب غلاء المعيشة الذي نعانيه اليوم.
يقول الخطيب: عمري 24 عاماً واشعر بانني مرهق مادياً. فراتبي الذي لا يتجاوز ال( 200 ) دينار ينتهي من اول اسبوع في الشهر، التزاماتي كثيرة واود بناء مستقبل لي.
ونوه الخطيب الى انه لا يفكر في الزواج الا في حالة مساعدة الاهل له لانه وبمفرده لا يستطيع تامين حياة اسرة كامله.
يتمنى الخطيب لو ان راتبه (350 ) ديناراً حتى يكفيه دون ان يحتاج للعمل الاضافي الذي يزيد من ارهاقه النفسي والجسدي.