لطالما تفاعلنا مع أو ضد صورة ذلك الشاب على صفحته على الفيس بوك، متزنرا بمشط الرصاص حول خصره، وبيده السلاح في صورة باتت تتكرر في مجتمعنا من وقت لآخر، وتتشكل أحيانا في سلوكات وصلت حد إطلاق الرصاص في الافراح.
فصار أمرا طبيعيا في الحالة الاردنية، أن تتفشى ظاهرة اقتناء السلاح بشكل عام -مرخص أم غير مرخص. ما خلق مشكلة لدى الدولة في ضرورة وضع حد لهذه الظاهرة التي خلفت العديد من الضحايا، وصل آخرها إعداد مشروع قانون للاسلحة والذخائر لسنة 2016، هو الان في عهدة مجلس النواب في دورته الاخيرة، ويتوقع أن يستمر في حالة إثارة للجدل في مجتمع اعتاد واستحسن بل اعتبر السلاح رمزا للبطولة والرجولة.
ما يدفعنا للتساؤل عن الأساس الاجتماعي في تفشي هذه الظاهرة، وهل هي موروث ايجابي لا تثريب فيه على صاحبها، ام أنها تستند لعادات لم تعد أسبابها ومبرراتها موجودة في ظل دولة تتمسك بسيادة القانون.
تكشف إحصاءات لمديرية الامن العام في الربع الاول من العام الحالي أن عدد الاسلحة المرخصة في المملكة وصل إلى نحو (132829) سلاحا مرخصا منها 69382 مسدسا، فيما هنالك (63340) بندقية صيد و(107) بنادق رشاشة، اما الاسلحة التي هي قيد الترخيص فتصل الى (1336) سلاحا مقسمة الى 752 مسدسا و584 بندقية صيد، في حين أن عدد تجار الاسلحة المرخصين في المملكة، هناك 97 تاجرا، لديهم 3700 قطعة سلاح، في حين توجد 35 شركة امن وحماية مسلحة.
تكشف هذه الارقام حجم الانتشار الواسع للأسلحة في المجتمع الاردني، ويمكن الاستدلال من خلالها إلى حجم الأسلحة غير المرخصة، وهي طبعا أكثر.
تؤكد أحصاءات الامن العام السابقة أن عدد الاسلحة المصادرة، والتي صدر بها قرارات احكام قطعية بمصادرتها عن المحاكم المختصة بلغت (19889) قطعة سلاح، موزعة بين (7666) بندقية صيد و 10757 مسدسا و1466 رشاشا، في حين أن عدد الاسلحة والامانات التي على ذمة قضايا ما زالت منظورة لدى الجهات القضائية بلغ مجموعها 4616 قطعة سلاح موزعة بين 2050 بندقية صيد و2231 مسدسا و335 رشاشا.
هذه الإحصاءات، جرى الكشف عنها خلال ندوة حول الأسلحة والذخائر عقدت في آذار العام الحالي في مركز $ للدراسات.
يكشف القاضي العشائري الشيخ طالب العودات ان اقتناء السلاح موروث لأنه كان سابقآ يملكه الأشخاص لعدة أسباب منها حماية للفرد وأسرته ولممتلكاته وخصوصآ في الصحراء.
وأضاف: «اما الان، وفي ضل وجود دولة المؤسسات والقانون والتي يكون الفرد فيها آمنا ومحميا بالقانون، حيث أن الأصل أن يكون الجميع ضمن سيادة القانون الذي يسري على الجميع والذي يبدأ بعملية تنظيم اقتناء وحمل السلاح من خلال الضبط والترخيص، ومحاسبة كل من يعرض حياة الافراد والممتلكات للخطر وهنا يجب تغليظ العقوبة»، مبينا أنه «حتى القضاء العشائري غلظ العقوبات في مشاكل وقضايا السلاح».
يكشف القاضي العودات مسؤولية المجتمع، وقال إن المجتمع عليه دور وهو نبذ كل من يستخدم السلاح سواء كان في الاعراس او الجاهات او حفلات التخرج وعدم إشراكه في هذه الحفلات، مشيرا لأهمية المبادرات المجتمعية ودور خطباء المساجد في تغيير سلوك الناس في هذه القضية.
ولفت العودات إلى أن الهدف توعية الناس، فكم من جريمة حصلت بقصد أو غير قصد نتيجة سوء استخدام السلاح الذي هو بالأصل ممنوع حمله في المناسبات وغير المناسبات، مؤكدا أنه مع نزع السلاح غير المرخص المخالف وكل مخالف غير آمن، موضحا أن المتفاخر بالسلاح أشد خطورة من الموروث لان العاقل لا يتفاخر بالسلاح والمشكلة الأكبر عندما يصبح ثقافة مجتمعية هنا تتفاقم وتكثر الجرائم.
أما الأخصائي وأستاذ علم الجريمة الدكتور عبدالله الدراوشة، فقال أنه بالعودة إلى الجذور التاريخية، فإنَّ أسباب ودوافع اقتناء الأسلحة اجتماعية وثقافية وذلك لارتباطها بالمجتمع ومشاكله المتعلقة بالأسرة والتنشئة والفساد والثأر والدفاع عن النفس أو الشرف والانتقام، وغيرها من مشاكل مجتمعية لا يمكن حصرها، مذكرا بمقولة شعبية (راس مالو رصاصة) تكشف معنى الانعكاس الناجم عن الغضب والرغبة في الانتقام وهذه تصريح واضح لرد الاعتبار.
وأشار إلى أنه نظراً لخطورة السلاح الناري، فقد تم حظره وذلك لأسباب تعود لاستخدامه من قبل أصحاب النوايا السيئة مما أدى إلى انتشار الفوضى ونشوء العصابات التي لم تتمكن الحكومة من السيطرة عليها، معتبرا استخدام السلاح الناري نقطة تحول مهمة في تاريخ البشرية فله أثر واضح تنتج منه انعكاسات اجتماعية وسياسية.
وأضاف: «وقد استمرَّ السلاح الناري في التطور بأشكاله وأنواعه إلى أن وصل إلينا بأشد مراحله فتكاً وربما قد يكون لذلك التطور الأثر في زياد معدلات الجريمة فهناك نوع من السلاح الخطير (السلاح الأوتوماتيكي)، والذي غالباً ما يتم استخدامه في المناسبات كنوع من التباهي وتكمن خطورته في إطلاقِه للعيارات النارية على نحو متتال ومتقارب، بحيث يطلق عدد كبير من الرصاص في الهواء والذي بدوره يزيد من نسبة احتمال ارتكاب الجريمة، لأسباب قد تعود لسوء استخدام السلاح وقلة الخبرة فيه».
ولفت إلى الاثار النفسية لتفشي السلاح، ومنها قضية الانتحار وهي تقريباً من أكثر المواضيع التي تكاد لا تخلو من شريط الإعلانات اليومية والالكترونية في التلفاز وشبكات التواصل الاجتماعي اللذين يعتبران من أحد المسببات المشجعة على استخدام السلاح، من خلال البرامج العنيفة والأفلام العدوانية التي لها البصمة الواضحة في تعليم الشباب وفتح باب الرغبة في التقليد الذي لا يمكن وصفه إلا بالأعمى.
واعتبر أن دوافع العادات والتقاليد لامتلاك الأسلحة التي تعدُّ من الثقافات الأصيلة والعريقة المهمة لدى بعض المجتمعات العربية، ويعدُّ الأردن إحداها ولكن على الرغم من هذه الميزات إلا أنها لا تخلو من المنغصات التي كادت أن تصبح شبه كارثة، لما خلفته عادة إطلاق العيارات النارية في المناسبات الاجتماعية من أضرار جسيمة، وخسائر بشرية واقتصادية واجتماعية وحتى نفسية، كونها عادة مكتسبة ومتوارثة من القدماء تمسكت عبر السنين بهيبتها ولم تتوان المجتمعات أبداً في التخلي عنها.
ولفت الدراوشة إلى أن للعادات والتقاليد دورا في اقتناء الأسلحة, فهي ليست وليدة اليوم بل تمتد إلى جذور المجتمع القبلي, الذي يعتبر إطلاق الرصاص سلوكا احتفاليا، مبينا أن البعض يبالغ في تطبيق العادات والتقاليد لأسباب شخصية، رغبة في الانتقام وإلحاق الضرر بالآخرين.
وبين: قد عبر دوركايم في نظرية الأنومي عن انهيار القواعد الاجتماعية التي يصل إليها المجتمع، بحيث أصبح الناس لا يعرفون ما يتوقعون من غيرهم، مما أدى بهم إلى اكتساب ضوابط غير كافيه على سلوكياتهم، وقد يكون هذا الانهيار له الدور في إطلاق العنان في ارتكاب جرائم القتل.
ويرى ان وضع الفرد ومكانته الاجتماعية تدفعه للقيام بسلوكات سلبية مقابل إثبات وجوده للآخرين وفرض السيطرة والهيبة، ويعد إطلاق العيار الناري أحد أهم هذه السلوكات الخطرة التي يلجأ إليها أصحاب المكانة الاجتماعية، بالإضافة إلى سلوكات أخرى يتخذها الفرد كوسيلة للتعبير عن مكبوتات شخصية كالتباهي، وإغاظة الآخرين ولفت النظر عبر إطلاق كم هائل من الرصاص في المناسبات الاجتماعية وعدم الوعي والتقليد الأعمى، وغيرها الكثير من السلوكات السلبية الناتجة عن المصلحة الشخصية سعياً في إثبات الذات أمام الآخرين.
وأشار إلى أن ضعف العقوبات المنصوص عليها والمحسوبية وتطبيق القانون على أناس دون غيرهم، ساعد في الاستهتار بتطبيق القانون من قبل المواطن فمن أمن العقاب أساء الأدب، لافتا إلى أن السلبيات المتعددة للسلاح واستخدامه تسببت في تجاهل ايجابياته، والتي أسهمت وبشكل كبير في الدفاع عن الوطن والنفس والمال.
وقال: «يرى البعض أن السلاح ضروري لخلق السلام في العالم، ويقوم هذا الرأي على أن السلام بدون سلاح لا يمكن تحقيقه، حيث أن السلام يفرض بالسلاح, ولا يتحقق بالنوايا الطيبة وعدالة القضايا, بل بإخضاع وإجبار الأفراد على السلام تحت فوهة السلاح».
تؤكد إحصاءات الامن العام تسجيل (255) حالة إطلاق أعيرة نارية في المناسبات والافراح خلال اول شهرين من العام الجاري، نجم عنها سبع اصابات، وتم تسجيل نحو 12 قضية خلال الفترة المذكورة.
وتكشف هذه الاحصاءات استخدام مواقع التواصل الاجتماعي للترويج لبيع السلاح، حيث تم رصد صفحات خاصة للبيع والشراء كـ «سوق مفتوح للاسلحة» حيث يوجد على موقع فيسبوك ما مجموعه اكثر من 50 صفحة ومجموعة لعرض الاسلحة الخفيفة والاسلحة البيضاء ووجود فيديوهات لترويج هذه التجارة، اضافة الى الصفحات الفردية التي يقوم صاحب الحساب من خلالها بنشر صور الاسلحة بقصد التباهي والاستعراض».
وأرجعت الاحصاءات أسباب انتشار الاسلحة والذخائر بشكل ملحوظ في المملكة خلال الفترة الماضية، الى الاحداث الاقليمية حيث الحرب العراقية الاولى 1990 والثانية 2003، ما اسهم في انتشار الاسلحة لاغراض الاقتناء والتجارة، كما برزت ظاهرة تهريب الاسلحة الى الاردن بشكل لافت منذ عام 2011 وتحديدا مع اندلاع الازمة السورية، إذ أخذت الاوضاع هناك منحى امنيا مترديا حيث ضبطت القوات المسلحة (حرس الحدود) العديد من محاولات تهريب السلاح من سوريا الى الاردن.
هذه الارقام، وهذا الواقع يشي أن السلاح سيظل بين أيدينا، حتى ذلك الوقت الذي ننبذه بلإ اراداتنا الحرة المعتبرة كونه مصدرا للأحزان، ولا علاقة له بالامن الذي لا يفرضه فقط قانون وعقوبة مغلظة بل ثقافة تؤمن وتجسد سيادة القانون.